فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى الضمير لما في بطنها وتأنيثه لأنه كان أنثى، وجاز انتصاب أنثى حالا عنه لأن تأنيثها علم منه فإن الحال وصاحبها بالذات واحد. أو على تأويل مؤنث كالنفس والحبلة.
وإنما قالته تحسرا وتحزنا إلى ربها لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرا ولذلك نذرت تحريره. والله أعلم بما وضعت أي بالشيء الذي وضعت. هو استئناف من الله تعالى تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بشأنها. وقرأ ابن عامر عن وأبو بكر عاصم "وضعت" على أنه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل لله سبحانه وتعالى فيه سرا، أو الأنثى كانت خيرا. وقرئ «وضعت» على أنه خطاب الله تعالى لها. ويعقوب وليس الذكر كالأنثى بيان لقوله والله أعلم أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت، واللام فيهما للعهد ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والأنثى سيان فيما نذرت فتكون اللام للجنس. وإني سميتها مريم عطف على ما قبلها من مقالها وما بينهما اعتراض، وإنما ذكرت ذلك لربها تقربا إليه وطلبا لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها فإن مريم في لغتهم بمعنى: العابدة. وفيه دليل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور متغايرة. وإني أعيذها بك أجيرها بحفظك. وذريتها من الشيطان الرجيم المطرود، وأصل الرجم الرمي بالحجارة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم مريم وابنها» «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل من مسه إلا
. ومعناه أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود يتأثر منه إلا مريم وابنها فإن الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة.