فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة لما بين لهم ما يتعرفون به أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وميز لهم الحق عن الباطل، رتب عليه ما هو كالفذلكة له، وهو أنكم إذا اجتهدتم في معارضته وعجزتم جميعا عن الإتيان بما يساويه أو يدانيه، ظهر أنه معجز والتصديق به واجب، فآمنوا به واتقوا العذاب المعد لمن كذب، فعبر عن الإتيان المكيف بالفعل الذي يعم الإتيان وغيره إيجازا، ونزل لازم الجزاء منزلته على سبيل الكناية تقريرا للمكنى عنه، وتهويلا لشأن العناد، وتصريحا بالوعيد مع الإيجاز، وصدر الشرطية بإن التي للشك والحال يقتضي إذا الذي للوجوب، فإن القائل سبحانه وتعالى لم يكن شاكا في عجزهم، ولذلك نفى إتيانهم معترضا بين الشرط والجزاء تهكما بهم وخطابا معهم على حسب ظنهم، فإن العجز قبل التأمل لم يكن محققا عندهم. و تفعلوا جزم ب لم لأنها واجبة الإعمال مختصة بالمضارع متصلة بالمعمول، ولأنها لما صيرته ماضيا صارت كالجزء منه، وحرف الشرط كالداخل على المجموع فكأنه قال: فإن تركتم الفعل، ولذلك ساغ اجتماعهما. ولن كلا في نفي المستقبل غير أنه أبلغ وهو حرف مقتضب عند سيبويه في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الأخرى أصله لا أن، وعند والخليل لا فأبدلت ألفها نونا. والوقود بالفتح ما توقد به النار، وبالضم المصدر وقد جاء المصدر بالفتح قال الفراء وسمعنا من يقول وقدت النار وقودا عاليا، والاسم بالضم ولعله مصدر سمي به كما قيل: فلان فخر قومه وزين بلده، وقد قرئ به والظاهر أن المراد به الاسم، وإن أريد به المصدر فعلى حذف مضاف أي: وقودها احتراق الناس، والحجارة: وهي جمع حجر. كجمالة جمع جمل وهو قليل غير منقاس، والمراد بها الأصنام التي نحتوها وقرنوا بها أنفسهم وعبدوها طمعا في شفاعتها والانتفاع بها واستدفاع المضار لمكانتهم، ويدل عليه قوله تعالى: سيبويه: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم . عذبوا بما هو منشأ جرمهم كما عذب الكافرون بما كنزوه. أو بنقيض ما كانوا يتوقعون زيادة في تحسرهم. وقيل: الذهب والفضة التي كانوا يكنزونها ويغترون بها، وعلى هذا لم يكن لتخصيص إعداد هذا النوع من العذاب بالكفار وجه، وقيل: حجارة الكبريت وهو تخصيص بغير دليل وإبطال للمقصود، إذ الغرض تهويل شأنها وتفاقم لهبها بحيث تتقد بما لا [ ص: 59 ] يتقد به غيرها، والكبريت تتقد به كل نار وإن ضعفت، فإن صح هذا عن رضي الله تعالى عنهما فلعله عنى به أن الأحجار كلها لتلك النار كالحجارة الكبريت لسائر النيران. ولما كانت الآية مدنية نزلت بعد ما نزل ابن عباس بمكة قوله تعالى في سورة التحريم نارا وقودها الناس والحجارة . وسمعوه صح تعريف النار. ووقوع الجملة صلة « بإزائها » فإنها يجب أن تكون قصة معلومة.
أعدت للكافرين هيئت لهم وجعلت عدة لعذابهم. وقرئ: « اعتدت » من العتاد بمعنى العدة، والجملة استئناف، أو حال بإضمار قد من النار لا الضمير الذي في وقودها ، وإن جعلته مصدرا للفصل بينهما بالخبر. وفي الآيتين من وجوه: ما يدل على النبوة
الأول: ما فيهما من التحدي والتحريض على الجد وبذل الوسع في المعارضة بالتقريع والتهديد، وتعليق الوعيد على عدم الإتيان بما يعارض أقصر سورة من سور القرآن، ثم إنهم مع كثرتهم واشتهارهم بالفصاحة وتهالكهم على المضادة لم يتصدوا لمعارضته، والتجؤوا إلى جلاء الوطن وبذل المهج.
الثاني: أنهما يتضمنان الإخبار عن الغيب على ما هو به، فإنهم لو عارضوه بشيء لامتنع خفاؤه عادة سيما والطاعنون فيه أكثر من الذابين عنه في كل عصر.
الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم لو شك في أمره لما دعاهم إلى المعارضة بهذه المبالغة، مخافة أن يعارض فتدحض حجته. وقوله تعالى: أعدت للكافرين دل على أن النار مخلوقة معدة الآن لهم.