يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه قرأه على الأصل نافع وهو كذلك في الإمام، والباقون بالإدغام وهذا من الكائنات التي أخبر الله تعالى عنها قبل وقوعها، وقد ارتد من وابن عامر العرب في أواخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق: بنو مدلج وكان رئيسهم ذا الحمار الأسود العنسي، تنبأ باليمن واستولى على بلاده ثم قتله فيروز الديلمي ليلة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من غدها وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة فسر المسلمون وأتى الخبر في أواخر ربيع الأول.
وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد، فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فحاربه رضي الله تعالى عنه بجند من المسلمين وقتله أبو بكر وحشي قاتل حمزة. وبنو أسد قوم تنبأ [ ص: 132 ] فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم طليحة بن خويلد فهرب بعد القتال إلى خالدا الشام ثم أسلم وحسن إسلامه.
وفي عهد رضي الله عنه سبع أبي بكر فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم فرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة زوجة مسيلمة، وكندة قوم الأشعث بن قيس، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد وكفى الله أمرهم على يده، وفي إمرة رضي الله تعالى عنه عمر بن الخطاب غسان قوم تنصر وسار إلى جبلة بن الأيهم الشام. فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قيل هم أهل اليمن لما روي وقال: هم قوم هذا أبي موسى الأشعري . (أنه عليه الصلاة والسلام أشار إلى
وقيل الفرس لأنه عليه الصلاة والسلام سئل عنهم فضرب يده على عاتق وقال: هذا وذووه. سلمان
وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة، وثلاثة آلاف من أفناء الناس. والراجع إلى من محذوف تقديره فسوف يأتي الله بقوم مكانهم، ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة، ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز عن معاصيه. أذلة على المؤمنين عاطفين عليهم متذللين لهم، جمع ذليل لا ذلول فإن جمعه ذلل، واستعماله مع على إما لتضمنه معنى العطف والحنو أو للتنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خاضعون لهم أو للمقابلة. أعزة على الكافرين شداد متغلبين عليهم من عزه إذا غلبه، وقرئ بالنصب على الحال.
يجاهدون في سبيل الله صفة أخرى لقوم، أو حال من الضمير في أعزة. ولا يخافون لومة لائم عطف على يجاهدون بمعنى أنهم الجامعون بين المجاهدة في سبيل الله والتصلب في دينه، أو حال بمعنى أنهم مجاهدون وحالهم خلاف حال المنافقين، فإنهم يخرجون في جيش المسلمين خائفين ملامة أوليائهم من اليهود فلا يعملون شيئا يلحقهم فيه لوم من جهتهم، واللومة المرة من اللوم وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان. ذلك إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف. فضل الله يؤتيه من يشاء يمنحه ويوفق له والله واسع كثير الفضل. عليم بمن هو أهله.