الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم
الذين يلمزون نصب أو رفع على الذم، ويجوز جره على البدلية من الضمير في (سرهم ونجواهم) وقرئ بضم الميم، وهي لغة، أي: يعيبون المطوعين أي: المتطوعين المتبرعين من المؤمنين حال من المطوعين، وقوله تعالى: في الصدقات متعلق بـ"يلمزون" روي بأربعين أوقية من ذهب، وقيل: بأربعة آلاف درهم، وقال: كان لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة، وأمسكت لعيالي أربعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت" عبد الرحمن بن عوف فبارك له حتى صولحت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حث الناس على الصدقة، فأتى تماضر رابعة نسائه عن ربع الثمن على ثمانين ألفا، وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر، فقال: بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعا لعيالي وجئت بصاع، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون، وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن إلا رياء، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع وعاصم أبي عقيل، ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات، فنزلت.
والذين لا يجدون إلا جهدهم عطف على المطوعين أي: ويلمزون [ ص: 87 ] الذين لا يجدون إلا طاقتهم، وقرئ بفتح الجيم، وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه، وقيل: هو بالضم الطاقة وبالفتح المشقة.
فيسخرون منهم عطف على "يلمزون" أي: يهزءون بهم، والمراد بهم الفريق الأخير سخر الله منهم إخبار بمجازاته تعالى إياهم على ما فعلوا من السخرية، والتعبير عنها بذلك للمشاكلة ولهم أي: ثابت لهم عذاب أليم التنوين للتهويل والتفخيم، وإيراد الجملة اسمية للدلالة على الاستمرار.