أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت : "أم": منقطعة؛ مقدرة بـ "بل"؛ والهمزة؛ والخطاب لأهل الكتاب؛ الراغبين عن ملة إبراهيم؛ و"شهداء": جمع "شهيد"؛ أو "شاهد"؛ بمعنى: "الحاضر"؛ و"إذ": ظرف لـ "شهداء"؛ والمراد بحضور الموت حضور أسبابه؛ وتقديم "يعقوب" - عليه السلام - للاهتمام به؛ إذ المراد كيفية وصيته لبنيه؛ بعدما بين ذلك إجمالا؛ ومعنى "بل": الإضراب؛ والانتقال عن توبيخهم على رغبتهم عن ملة إبراهيم - عليه السلام - إلى توبيخهم على افترائهم على يعقوب - عليه السلام - باليهودية؛ حسبما حكي عنهم؛ وأما تعميم الافتراء ههنا لسائر الأنبياء - عليهم السلام - كما قيل؛ فيأباه تخصيص يعقوب بالذكر؛ وما سيأتي من قوله - عز وجل -: أم تقولون إن إبراهيم ؛ إلخ.. ومعنى الهمزة: إنكار وقوع الشهود عند احتضاره - عليه السلام -؛ وتبكيتهم؛ وقوله (تعالى): إذ قال : بدل من "إذ حضر"؛ أي: ما كنتم حاضرين عند احتضاره - عليه السلام -؛ وقوله: لبنيه ما تعبدون من بعدي : أي: أي شيء تعبدونه بعد موتي؟ فمن أين لكم أن تدعوا عليه - عليه السلام - ما تدعون؛ رجما بالغيب؟ وعند هذا تم التوبيخ؛ والإنكار؛ والتبكيت؛ ثم بين أن الأمر قد جرى حينئذ على خلاف ما زعموا؛ وأنه - عليه السلام - أراد بسؤاله ذلك تقرير بنيه على التوحيد؛ والإسلام؛ وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما؛ إذ به يتم وصيته بقوله: فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ؛ و"ما": يسأل به عن كل شيء؛ ما لم يعرف؛ فإذا عرف خص العقلاء بـ "من"؛ إذا سئل عن شيء بعينه؛ وإن سئل عن وصفه قيل: "ما زيد؟ أفقيه أم طبيب؟"؛ فقوله (تعالى): قالوا استئناف؛ وقع جوابا عن سؤال نشأ عن حكاية سؤال يعقوب - عليه السلام -؛ كأنه قيل: فماذا قالوا عند ذلك؟ فقيل: قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ؛ حسبما كان مراد أبيهم بالسؤال؛ أي: نعبد الإله المتفق على وجوده؛ وإلهيته؛ ووجوب عبادته. وعد إسماعيل من آبائه تغليبا للأب؛ والجد؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام: وقوله - عليه الصلاة والسلام - في "عم الرجل صنو أبيه"؛ -: العباس وقرئ: "أبيك"؛ على أنه جمع بالواو والنون؛ كما في قوله "هذا بقية آبائي"؛
فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا
وقد سقطت النون بالإضافة؛ أو مفرد؛ و"إبراهيم": عطف بيان له؛ و"إسماعيل"؛ و"إسحاق": معطوفان على "أبيك"؛ إلها واحدا : بدل من "إله آبائك"؛ كقوله (تعالى): بالناصية ناصية كاذبة ؛ وفائدته التصريح بالتوحيد؛ ودفع التوهم الناشئ من تكرير المضاف لتعذر العطف على المجرور؛ أو نصب [ ص: 165 ] على الاختصاص؛ ونحن له مسلمون : حال من فاعل "نعبد"؛ أو من مفعوله؛ أو منهما معا؛ ويحتمل أن يكون اعتراضا محققا لمضمون ما سبق.