وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين
وقيل يا أرض ابلعي أي: انشفي، استعير له من ازرداد الحيوان ما يأكله للدلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد التدريجي ماءك أي: ما على وجهك من ماء الطوفان دون المياه المعهودة فيها من العيون والأنهار، وعبر عنه بالماء بعدما عبر عنه فيما سلف بأمر الله تعالى؛ لأن المقام مقام النقص والتقليل لا مقام التفخيم والتهويل ويا سماء أقلعي أي: أمسكي عن إرسال المطر، يقال: أقلعت السماء إذا انقطع مطرها، وأقلعت الحمى أي: كفت وغيض الماء أي: نقص ما بين السماء والأرض من الماء وقضي الأمر أي: أنجز ما وعد الله تعالى نوحا من إهلاك قومه وإنجائه بأهله، أو أتم الأمر واستوت أي: استقرت الفلك على الجودي هو جبل بالموصل، أو بالشام، أو بآمل.
روي أنه عليه الصلاة والسلام ركب في الفلك في عاشر رجب ونزل عنها في عاشر المحرم فصام ذلك اليوم شكرا فصار سنة.
وقيل بعدا للقوم الظالمين أي: هلاكا لهم، والتعرض لوصف الظلم للإشعار بعليته للهلاك، ولتذكيره ما سبق من قوله تعالى: "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم [ ص: 212 ] مغرقون" ولقد بلغت الآية الكريمة من مراتب الإعجاز قاصيتها، وملكت من غرر المزايا ناصيتها، وقد تصدى لتفصيلها المهرة المتقنون، ولعمري إن ذلك فوق ما يصفه الواصفون، فحري بنا أن نوجز الكلام في هذا الباب، ونفوض الأمر إلى تأمل أولي الألباب، والله عنده علم الكتاب.