زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب
زين للناس كلام مستأنف سيق لبيان حقارة شأن الحظوظ الدنيوية بأصنافها وتزهيد الناس فيها وتوجيه رغباتهم إلى ما عنده تعالى إثر بيان عدم نفعها للكفرة الذين كانوا يتعززون بها، والمراد بالناس: الجنس.
حب الشهوات "الشهوة": نزوع النفس إلى ما تريده، و المراد ههنا: المشتهيات، عبر عنها بالشهوات مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبا فيها، كأنها نفس الشهوات أو إيذانا بانهماكهم في حبها بحيث أحبوا شهواتها، كما في قوله تعالى: إني أحببت حب الخير أو استرذالا لها، فإن الشهوة مسترذلة مذمومة من صفات البهائم، و "المزين": هو الباري سبحانه وتعالى، إذ هو الخالق لجميع الأفعال والدواعي، و الحكمة في ذلك ابتلاؤهم. قال تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم الآية، فإنها ذريعة لنيل سعادة الدارين عند كون تعاطيها على نهج الشريعة الشريفة وسيلة إلى بقاء النوع، وإيثار صيغة المبني للمفعول للجري على سنن الكبرياء، وقرئ على البناء للفاعل. وقيل: "المزين" هو الشيطان لما أن مساق الآية الكريمة على ذمها. وفرق الجبائي بين المباحات، فأسند تزيينها إليه تعالى وبين المحرمات، فنسب تزيينها إلى الشيطان.
من النساء والبنين في محل النصب على أنه حال من الشهوات، وهي مفسرة لها في المعنى. وقيل: "من" لبيان الجنس، وتقديم النساء على البنين لعراقتهن في معنى الشهوة، فإنهن حبائل الشيطان وعدم التعرض للبنات لعدم الاطراد في حبهن.
والقناطير المقنطرة جمع قنطار، وهو المال الكثير، وقيل: مائة ألف دينار، وقيل: ملء مسك ثور، وقيل: [ ص: 15 ] سبعون ألفا، وقيل: أربعون ألف مثقال، وقيل: ثمانون ألفا، وقيل: مائة رطل، و قيل: ألف ومائتا مثقال، وقيل: ألفا دينار، وقيل: مائة من و مائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم، وقيل: دية النفس. و اختلف في أن وزنه فعلال أو فنعال، ولفظ "المقنطرة" مأخوذ منه للتأكيد، كقولهم بدرة مبدرة، وقيل: المقنطرة المحكمة المحصنة، وقيل: الكثيرة المنضدة بعضها على بعض أو المدفونة، وقيل: المضروبة المنقوشة.
من الذهب والفضة : بيان للقناطير، أو حال. والخيل عطف على القناطير، قيل: هي جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط، الواحد فرس، وقيل: واحده خائل وهو مشتق من الخيلاء.
المسومة أي: المعلمة من السومة، وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها إذا أرسلها وسيبها للرعي، أو المطهمة التامة الخلق. والأنعام أي: الإبل والبقر والغنم. والحرث أي: الزرع، مصدر بمعنى المفعول. ذلك أي: ما ذكر من الأشياء المعهودة. متاع الحياة الدنيا أي: ما يتمتع به في الحياة الدنيا أياما قلائل فتفنى سريعا. والله عنده حسن المآب حسن المرجع، وفيه دلالة على أن ليس فيما عدد عاقبة حميدة، وفي تكرير الإسناد بجعل الجلالة مبتدأ، وإسناد الجملة الظرفية إليه زيادة تأكيد وتفخيم، ومزيد اعتناء بالترغيب فيما عند الله عز وجل من النعيم المقيم، والتزهيد في ملاذ الدنيا وطيباتها الفانية.