فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين
فجاءته إحداهما قيل: هي كبراهما، واسمها صفوراء أو صفراء، وقيل: صغراهما. واسمها صفيراء، أي: جاءته عقيب ما رجعتا إلى أبيها. روي أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس، وأغنامهما حفل بطان، قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا، فسقى لنا. فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي، وقوله تعالى: تمشي حال من فاعل جاءت، وقوله تعالى: على استحياء متعلق بمحذوف، هو حال من ضمير تمشي، أي: جاءته تمشي كائنة على استحياء، فمعناه أنها كانت على استحياء حالتي المشي والمجيء معا، لا عند المجيء فقط. وتنكير استحياء للتفخيم، قيل: جاءته متخفرة، أي: شديدة الحياء، وقيل: قد استترت بكم درعها. قالت استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية مجيئها إياه عليه الصلاة والسلام، كأنه قيل: فماذا قالت له عليه الصلاة والسلام؟ فقيل: قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا . أي: جزاء سقيك لنا أسندت الدعوة إلى أبيها، وعللتها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة. وفيه من الدلالة على كمال العقل والحياء والعفة ما لا يخفى. روي أنه عليه الصلاة والسلام أجابها فانطلقا، وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته، فقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، ففعلت حتى أتيا دار شعيب عليهما السلام. فلما جاءه وقص عليه القصص أي: ما جرى عليه من الخبر المقصوص فإنه مصدر سمي به المفعول كالعلل. قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين الذي يلوح من ظاهر النظم الكريم أن موسى عليه السلام إنما أجاب المستدعية من غير تلعثم ليتبرك برؤية شعيب عليه السلام، ويستظهر برأيه لا ليأخذ بمعروفه أجرا حسبما صرحت به ألا ترى إلى ما روي أن شعيبا لما قدم إليه طعاما، قال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بقلاع الأرض ذهبا، ولا نأخذ على المعروف ثمنا، ولم يتناول. حتى قال شعيب عليه السلام: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا، فتناول بعد ذلك على سبيل التقبل لمعروف مبتدأ. كيف لا وقد قص عليه قصصه، وعرفه أنه من بيت النبوة، [ ص: 10 ] من أولاد يعقوب عليه السلام؟ ومثله حقيق بأن يضيف، ويكرم. لا سيما في دار نبي من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام، وقيل: ليس بمستنكر منه عليه الصلاة والسلام أن يقبل الأجر لاضطرار الفقر والفاقة. وقد روي عن أنه عليه السلام رفع صوته بدعائه ليسمعها، ولذلك قيل له: عطاء بن السائب "ليجزيك"... إلخ. ولعله عليه السلام إنما فعله ليكون ذريعة إلى استدعائه، لا إلى استيفاء الأجر.