وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا
وأنزل الذين ظاهروهم أي: عاونوا الأحزاب المردودة. من أهل الكتاب وهم بنو قريظة. من صياصيهم من حصونهم جميع صيصية، وهي ما يتحصن به. ولذلك يقال لقرن الثور: والظبي، وشوكة الديك. وقذف في قلوبهم الرعب الخوف الشديد، بحيث أسلموا أنفسهم للقتل، وأهليهم، وأولادهم للأسر، حسبما ينطق به قوله تعالى: فريقا تقتلون وتأسرون فريقا من غير أن يكون من جهتهم حراك فضلا عن المخالفة والاستعصاء. روي أن جبريل عليه السلام أتى رسول صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب، ورجع المسلمون إلى المدينة ، ووضعوا السلاح، فقال: أتنزع لأمتك والملائكة ما وضعوا السلاح؟ إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا ببني قريظة، فحاصروهم إحدى وعشرين أو خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار. فقال لهم: تنزلون على حكمي؟ فأبوا. فقال: على حكم فرضوا به. فحكم سعد بن معاذ؟ بقتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم ونسائهم. فكبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: سعد فقتل منهم ستمائة مقاتل، وقيل: من ثمانمائة إلى تسعمائة، وأسر سبعمائة. وقرئ: (تأسرون) بضم السين، كما قرئ: (الرعب) بضم العين. ولعل تأخير المفعول في الجملة الثانية مع أن مساق الكلام لتفصيله وتقسيمه، كما في قوله تعالى: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة». ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وقوله تعالى: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون لمراعاة الفواصل.