فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل
فأعرضوا عن الشكر بعد إبانة الآيات الداعية لهم إليه، قيل: أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله تعالى، وذكروهم بنعمه، وأنذروهم عقابه فكذبوهم. فأرسلنا عليهم سيل العرم أي: سيل الأمر العرم. أي: الصعب من عرم الرجل فهو عارم، وعرم إذا شرس خلقه وصعب، أو المطر الشديد. وقيل: العرم جمع عرمة، وهي الحجارة المركومة. وقيل: هو السكر الذي يحبس الماء، وقيل: هو اسم للبناء الذي يجعل سدا، وقيل: هو البناء الرصين الذي بنته الملكة بلقيس بين الجبلين بالصخر والقار، وحقنت به ماء العيون والأمطار، وتركت فيه خروقا على ما يحتاجون إليه في [ ص: 128 ] سقيهم، وقيل: العرم الجرذ الذي نقب عليهم ذلك السد، وهو الفأر الأعمى، الذي يقال له الخلد. سلطه الله تعالى على سدهم فنقبه فغرق بلادهم، وقيل: العرم اسم الوادي. وقرئ: (العرم) بسكون الراء، قالوا: كان ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى والنبي عليهما الصلاة والسلام. وبدلناهم بجنتيهم أي: أذهبنا جنتيهم، وآتيناهم بدلهما. جنتين ذواتي أكل خمط أي: ثمر بشع؛ فإن الخمط كل نبت أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله. وقيل: هو الحامض والمر من كل شيء، وقيل: هو ثمرة شجرة يقال لها: فسوة الضبع على صورة الخشخاش لا ينتفع بها، وقيل: هو الأراك، وكل شجر ذي شوك. والتقدير: أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقرئ: (أكل خمط) بالإضافة وبتخفيف أكل.
وأثل وشيء من سدر قليل معطوفان على أكل لا على خمط فإن الأثل هو الطرفاء، وقيل: شجر يشبهه أعظم منه، ولا ثمر له، وقرئ: (وأثلا) و (شيئا) عطفا على جنتين. قيل: وصف السدر بالقلة لما أن جناه، وهو النبق مما يطيب أكله، ولذلك يغرس في البساتين. والصحيح أن السدر صنفان: صنف يؤكل من ثمره، وينتفع بورقه لغسل اليد. وصنف له ثمرة عفصة لا تؤكل أصلا، ولا ينتفع بورقه، وهو الضال. والمراد ههنا هو الثاني حتما. وقال : كان شجرهم خير الشجر فصيره الله تعالى من شر الشجر بأعمالهم، وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم. قتادة