وامتازوا اليوم أيها المجرمون
وامتازوا اليوم عطف إما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أهل الجنة، لا على أن المقصود عطف فعل الأمر بخصوصه حتى يتمحل له مشاكل يصح عطفه عليه، بل على أنه عطف قصة سوء حال هؤلاء وكيفية عقابهم على قصة حسن حال أولئك ووصف ثوابهم، كما مر في قوله تعالى: وبشر الذين آمنوا ... الآية، وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما، وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أهل الجنة، كأنه قيل - إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن، وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان -: فليقروا بذلك عينا، وامتازوا عنهم أيها المجرمون إلى مصيركم.
وعن : اعتزلوا عن كل خير، وعن قتادة لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى. الضحاك:
وأما ما قيل من أن المضمر (فليمتازوا) فبمعزل من السداد لما أن المحكي عنهم ليس مصيرهم إلى ما ذكر من الحال المرضية، حتى يتسنى ترتيب الأمر المذكور عليه، بل إنما هو استقرارهم عليها بالفعل، وكون ذلك بطريق تنزيل المترقب منزلة الواقع لا يجدي نفعا; لأن مناط الإضمار إنسياق الأفهام إليه، وانصباب [ ص: 175 ] نظم الكلام عليه، فبعدما نزلت تلك الحالة منزلة الواقع بالفعل - لما اقتضاه المقام من النكتة البارعة والحكمة الرائعة حسبما مر بيانه - وأسقط كونها مترقبة عن درجة الاعتبار بالكلية يكون التصدي لإضمار شيء يتعلق به إخراجا للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة.