إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين
إن أول بيت وضع للناس شروع في بيان كفرهم ببعض آخر [ ص: 60 ] من شعائر ملته عليه السلام إثر بيان كفرهم بكون كل المطعومات حلا له عليه السلام. روي أنهم قالوا: بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة، وقال المسلمون بل الكعبة أعظم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت. أي: إن أول بيت وضع للعبادة وجعل متعبدا لهم والواضع هو الله تعالى، ويؤيده القراءة على البناء للفاعل. وقوله تعالى: للذي ببكة خبر لـ "إن" وإنما أخبر بالمعرفة مع كون اسمها نكرة لتخصصها بسببين: الإضافة والوصف بالجملة بعدها، أي: للبيت الذي ببكة، أي: فيها. وفي ترك الموصوف من التفخيم ما لا يخفى، و "بكة" لغة في مكة، فإن العرب تعاقب بين الباء والميم كما في قولهم: ضربة لازب ولازم والنميط والنبيط في اسم موضع بالدهناء، وقولهم: أمر راتب وراتم وسبد رأسه وسمدها وأغبطت الحمى وأغمطت وهي علم للبلد الحرام من بكه إذا زحمه لازدحام الناس فيه. وعن يبك الناس بعضهم بعضا أو لأنها تبك أعناق الجبابرة، أي: تدقها لم يقصدها جبار إلا قصمه الله عز وجل. وقيل: قتادة: "بكة" اسم لبطن مكة. وقيل: لموضع البيت. وقيل: للمسجد نفسه، ومكة اسم للبلد كله. وأيد هذا بأن التباك وهو الازدحام إنما يقع عند الطواف. وقيل: "مكة" اسم للمسجد والمطاف و "بكة" اسم للبلد. لقوله تعالى: للذي ببكة مباركا . روي "المسجد الحرام ثم بيت المقدس"، وسئل: كم بينهما؟ فقال: أربعون سنة. وقيل: أول من بناه أنه عليه السلام سئل عن أول بيت وضع للناس فقال: إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وقيل: آدم عليه السلام، وقد استوفينا ما فيه من الأقاويل في سورة البقرة. وقيل: أول بيت وضع بالشرف لا بالزمان. مباركا كثير الخير والنفع لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب، وهو حال من المستكن في الظرف لأن التقدير: "للذي ببكة هو" والعامل فيه ما قدر في الظرف من فعل الاستقرار. وهدى للعالمين لأنه قبلتهم ومتعبدهم ولأن فيه آيات عجيبة دالة على عظيم قدرته تعالى وبالغ حكمته كما قال.