الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون

                                                                                                                                                                                                                                      ضربت عليهم الذلة أي: هدر النفس والمال والأهل أو ذل التمسك بالباطل. أينما ثقفوا أي: وجدوا. إلا بحبل من الله وحبل من الناس استثناء من أعم الأحوال أي: ضربت عليهم الذلة ضرب القبة على من هي عليه في جميع الأحوال إلا حال كونهم معتصمين بذمة الله أو كتابه الذي أتاهم وذمة المسلمين أو بذمة الإسلام واتباع سبيل المؤمنين. وباءوا بغضب من الله أي: رجعوا مستوجبين له، والتنكير للتفخيم والتهويل و "من" متعلقة بمحذوف وقع صفة لـ "غضب" مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة والهول، أي: كائن من الله عز وجل. وضربت عليهم المسكنة فهي محيطة بهم من جميع جوانبهم، واليهود كذلك في غالب الحال مساكين تحت أيدي المسلمين والنصارى. ذلك إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة عليهم والبوء بالغضب العظيم. بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله أي: ذلك الذي ذكر كائن بسبب كفرهم المستمر بآيات الله الناطقة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتحريفهم لها وبسائر الآيات القرآنية. ويقتلون الأنبياء بغير حق أي: في اعتقادهم أيضا وإسناد القتل مع أنه فعل أسلافهم لرضاهم به كما أن التحريف مع كونه من أفعال أحبارهم ينسب إلى كل من يسير بسيرتهم. ذلك إشارة إلى ما ذكر من الكفر والقتل. بما عصوا وكانوا يعتدون أي: كائن بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى على الاستمرار، فإن الإصرار على الصغائر يفضي إلى مباشرة الكبائر والاستمرار عليها يؤدي إلى الكفر. وقيل: معناه: أن ضرب الذلة والمسكنة في الدنيا واستيجاب الغضب في الآخرة كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو مسبب عن عصيانهم واعتدائهم من حيث أنهم مخاطبون بالفروع من حيث المؤاخذة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية