رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق
رفيع الدرجات نحو بديع السماوات على أنه صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها بعد النقل إلى فعل بالضم، كما هو المشهور . وتفسيره بالرافع ليكون من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول بعيد في الاستعمال، أي : رفيع درجات ملائكته، أي : معارجهم ومصاعدهم إلى العرش . ذو العرش أي : مالكه . وهما خبران آخران لقوله تعالى، هو أخبر عنه بهما إيذانا بعلو شأنه تعالى، وعظم سلطانه الموجبين لتخصيص العبادة به، وإخلاص الدين له إما بطريق الاستشهاد بهما عليهما فإن ارتفاع معارج ملائكته إلى العرش، وكون العرش العظيم المحيط بأكناف العالم العلوي والسفلي تحت ملكوته وقبضة قدرته ، مما يقضي بكون علو شأنه وعظم سلطانه فيه لا غاية وراءها، وإما بجعلهما عبارة عنهما بطريق المجاز المتفرع على الكناية، كالاستواء على العرش، وتمهيدا لما يعقبهما من قوله تعالى : يلقي الروح من أمره فإنه خبر آخر لما ذكر منبئ عن إنزال الرزق الروحاني الذي هو الوحي بعد بيان إنزال الرزق الجسماني الذي هو المطر، أي : ينزل الوحي الجاري من القلوب منزلة الروح من الأجساد . وقوله [ ص: 271 ] تعالى : من أمره بيان للروح الذي أريد به الوحي فإنه أمر بالخير، أو حال منه، أي : حال كونه ناشئا . ومبتدأ من أمره، أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته، أي : الروح الكائن من أمره . أو متعلق بباقي، و "من" للسببية كالباء مثل ما في قوله تعالى : مما خطيئاتهم أي : يلقي الوحي بسبب أمره . على من يشاء من عباده وهو الذي اصطفاه لرسالته وتبليغ أحكامه إليهم . لينذر أي : الله تعالى، أو الملقى عليه، أو الروح . وقرئ : ( لتنذر ) على أن الفاعل هو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الروح; لأنها قد تؤنث . يوم التلاق إما ظرف للمفعول الثاني، أي : لينذر الناس العذاب يوم التلاق، وهو يوم القيامة; لأنه يتلاقى فيه الأرواح والأجسام وأهل السماوات والأرض، أو هو المفعول الثاني اتساعا أو أصالة فإنه من شدة هوله وفظاعته حقيق بالإنذار أصالة، وقرئ : ( لينذر ) على البناء للمفعول ورفع اليوم .