أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين
أم حسبتم كلام مستأنف سيق لبيان ما هي الغاية القصوى من المداولة والنتيجة لما ذكر من تمييز المخلصين وتمحيصهم واتخاذ الشهداء وإظهار عزة منالها والخطاب للذين انهزموا يوم أحد، و "أم" منقطعة وما فيها من كلمة بل للإضراب عن التسلية ببيان العلل فيما لقوا من الشدة إلى تحقيق أنها من مبادي الفوز بالمطلب الأسني، والهمزة للإنكار والاستبعاد، أي: بل أحسبتم. أن تدخلوا الجنة وتفوزوا بنعيمها. وقوله تعالى: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم حال من ضمير "تدخلوا" مؤكدة للإنكار، فإن رجاء الأجر بغير عمل ممن يعلم أنه منوط به مستبعد عند العقول، وعدم العلم كناية عن عدم المعلوم لما بينهما من اللزوم المبني على لزوم تحقق الأول لتحقق الثاني ضرورة استحالة تحقق شيء بدون علمه تعالى به وإيثارها على التصريح للمبالغة في تحقيق المعنى المراد، فإنها إثبات لعدم جهادهم بالبرهان وللإيذان بأن مدار ترتب الجزاء على الأعمال إنما هو علم الله تعالى بها كأنه قيل: والحال أنه لم يوجد الذين جاهدوا منكم ، وإنما وجه النفي إلى الموصوفين مع أن المنفي هو الوصف فقط، وكان يكفي أن يقال: ولما يعلم الله جهادكم كناية عن معنى "ولما تجاهدوا" للمبالغة في بيان انتفاء الوصف وعدم تحققه أصلا، وفي كلمة "لما" إيذان بأن الجهاد متوقع منهم فيما يستقبل إلا أنه غير معتبر في تأكيد الإنكار. وقرئ "يعلم" بفتح الميم على أن أصله "يعلمن" فحذفت النون أو على طريقة إتباع الميم لما قبلها في الحركة لإبقاء تفخيم اسم الله تعالى و "منكم" حال من "الذين". ويعلم الصابرين منصوب بإضمار "أن" على أن الواو للجمع كما في قولك: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" أي: لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن، والمعنى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر، أي: الجمع بينهما وإيثار اسم الفاعل على الموصول للدلالة على أن المعتبر هو الاستمرار على الصبر وللمحافظة على الفواصل، وقيل: مجزوم معطوف على المجزوم قبله قد حرك لالتقاء الساكنين بالفتح للخفة والاتباع كما مر، ويؤيده القراءة بالكسر على ما هو الأصل في تحريك الساكن. وقرئ "يعلم" بالرفع على أن الواو للحال وصاحبها الموصول والمبتدأ محذوف، أي: وهو يعلم الصابرين كأنه قيل: ولما تجاهدوا وأنتم صابرون.