يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول استئناف لبيان حالهم التي أشير إلى شدتها وفظاعتها بقوله تعالى: فكيف فإن أريد بهم المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالتعبير عنهم بالموصول لا سيما بعد الإشارة إليهم بهؤلاء لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعلة ما اعتراهم من الحال الفظيعة والأمر الهائل، وإيراده عليه السلام بعنوان الرسالة لتشريفه وزيادة تقبيح حال مكذبيه فإن حق الرسول أن يؤمن به ويطاع لا أن يكفر به ويعصى، وإن أريد بهم جنس الكفرة فهم داخلون في زمرتهم دخولا أوليا والمراد بالرسول حينئذ: الجنس المنتظم للنبي عليه السلام انتظاما أوليا، وأيا ما كان; ففيه من تهويل الأمر وتفظيع الحال ما لا يقادر قدره، وقوله تعالى: وعصوا عطف على كفروا داخل معه في الصلة والمراد: معاصيهم المغايرة لكفرهم، ففيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع في حق المؤاخذة. وقيل: حال من ضمير "كفروا". وقيل: صلة لموصول آخر، أي: يود في ذلك اليوم الذين جمعوا بين الكفر وعصيان الرسول أو الذين كفروا وقد عصوا الرسول أو الذين كفروا والذين عصوا الرسول. و"لو" في قوله تعالى: لو تسوى بهم الأرض إن جعلت مصدرية فالجملة مفعول لـ"يود" أي: يودون أن يدفنوا فتسوى بهم الأرض كالموتى. وقيل: يودون أنهم لم يبعثوا أو لم يخلقوا وكأنهم والأرض سواء. وقيل: تصير البهائم ترابا فيودون حالها. وإن جعلت جارية على بابها فالمفعول محذوف لدلالة الجملة عليه، أي: يودون تسوية الأرض وجواب "لو" أيضا محذوف إيذانا بغاية ظهوره، أي: لسروا بذلك. وقوله تعالى: ولا يكتمون الله حديثا عطف على "يود" أي: ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم. وقيل: الواو للحال [ ص: 179 ] أى يودون أن يدفنوا في الأرض وهم يكتمون منه تعالى حديثا ولا يكذبونه بقولهم: والله ربنا ما كنا مشركين; إذ روي أنهم إذا قالوا ذلك ختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الأمر عليهم فيتمنون أن تسوى بهم الأرض. وقرئ "تسوى" على أن أصله تتسوى فأدغم التاء في السين، وقرئ "تسوى" بحذف التاء الثانية يقال: سويته فتسوى.