وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين .
وإذ قلنا : تذكير لنعمة أخرى من جنابه (تعالى)؛ وكفرة أخرى لأسلافهم؛ أي: واذكروا وقت قولنا لآبائكم؛ إثر ما أنقذناهم من التيه: ادخلوا هذه القرية : منصوبة على الظرفية عند وعلى المفعولية عند سيبويه؛ وهي الأخفش؛ بيت المقدس؛ وقيل: أريحا؛ فكلوا منها حيث شئتم رغدا ؛ أي: واسعا هنيئا؛ ونصبه على المصدرية؛ أو الحالية؛ من ضمير المخاطبين؛ وفيه دلالة على أن المأمور به الدخول على وجه الإقامة؛ والسكنى؛ فيؤول إلى ما في سورة "الأعراف" من قوله (تعالى): اسكنوا هذه القرية ؛ وادخلوا الباب : أي باب القرية؛ على ما روي من أنهم دخلوا أريحا في زمن موسى - عليه السلام -؛ كما سيجيء في سورة "المائدة"؛ أو باب القبة؛ التي كانوا يصلون إليها؛ فإنهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى - عليه السلام -؛ سجدا ؛ أي: متطامنين؛ مخبتين؛ أو ساجدين لله (تعالى) شكرا على إخراجهم من التيه؛ وقولوا حطة ؛ أي: مسألتنا؛ أو: أمرك حطة؛ وهي "فعلة" من "الحط"؛ كـ "الجلسة"؛ وقرئ بالنصب على الأصل؛ بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة؛ أو على أنها مفعول "قولوا"؛ أي: قولوا هذه الكلمة؛ وقيل: معناه: أرنا حطة؛ أي: أن نحط رحالنا في هذه القرية؛ ونقيم بها؛ نغفر لكم خطاياكم ؛ لما تفعلون من السجود والدعاء؛ وقرئ بالياء والتاء؛ على البناء للمفعول؛ وأصل "خطايا": "خطايئ" كـ "خضايع"؛ فعند أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف؛ واجتمعت همزتان؛ وأبدلت الثانية ياء؛ ثم قلبت ألفا؛ وكانت الهمزة بين ألفين؛ فأبدلت ياء؛ وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء؛ ثم فعل بها ما ذكر؛ سيبويه وسنزيد المحسنين ؛ ثوابا؛ جعل الامتثال توبة للمسيء؛ وسببا لزيادة الثواب للمحسن؛ وأخرج ذلك عن صورة الجواب؛ إلى الوعد؛ إيذانا بأن المحسن بصدد ذلك؛ وإن لم يفعله؛ فكيف إذا فعله؟ وإنه يفعله لا محالة.