إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم
[ ص: 1184 ] هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمر جامع، أي: من ضرورته أو من مصلحته أن يكونوا فيه جميعا، كالجهاد والمشاورة ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقا لا يذهب لأمر من الأمور لا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم، إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإيمان عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا وأدبهم مع رسوله وولي الأمر منهم، فقال: إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه لهم شرطين:
أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من يستأذن من غير عذر فلا يؤذن له.
والثاني: أن يشاء الإذن، فتقتضيه المصلحة من دون مضرة بالآذن، قال: فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه أو شجاعته ونحو ذلك لم يأذن له، ومع هذا إذا استأذن وأذن له بشرطيه أمر الله رسوله أن يستغفر له؛ لما عسى أن يكون مقصرا في الاستئذان، ولهذا قال: واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم يغفر لهم الذنوب ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر.
(63) لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا أي: لا تجعلوا دعاء الرسول إياكم ودعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا، فإذا دعاكم فأجيبوه وجوبا، حتى إنه تجب إجابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حال الصلاة، وليس أحد إذا قال قولا يجب على الأمة قبول قوله والعمل به إلا الرسول؛ لعصمته، وكوننا مخاطبين باتباعه، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا، فلا تقولوا: "يا محمد" عند ندائكم، أو "يا محمد بن عبد الله" كما يقول ذلك بعضكم لبعض، بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره أن يقال: يا رسول الله، يا نبي الله.
قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا لما مدح المؤمنين بالله ورسوله، الذين إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه توعد من لم يفعل ذلك وذهب من غير استئذان، فهو وإن خفي عليكم بذهابه على وجه خفي، وهو المراد بقوله: يتسللون منكم لواذا أي: يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم بشيء يحجبهم عن العيون، فالله يعلمهم، وسيجازيهم على ذلك أتم الجزاء، ولهذا توعدهم بقوله: [ ص: 1185 ] فليحذر الذين يخالفون عن أمره أي: يذهبون إلى بعض شئونهم عن أمر الله ورسوله، فكيف بمن لم يذهب إلى شأن من شئونه؟ وإنما ترك أمر الله من دون شغل له. أن تصيبهم فتنة أي: شرك وشر أو يصيبهم عذاب أليم .
(64) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ملكا وعبيدا، يتصرف فيهم بحكمه القدري، وحكمه الشرعي. قد يعلم ما أنتم عليه أي: قد أحاط علمه بما أنتم عليه، من خير وشر، وعلم جميع أعمالكم، أحصاها علمه، وجرى بها قلمه، وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون، ويوم يرجعون إليه أي يوم القيامة فينبئهم بما عملوا يخبرهم بجميع أعمالهم، دقيقها وجليلها، إخبارا مطابقا لما وقع منهم، ويستشهد عليهم أعضاءهم، فلا يعدمون منه فضلا أو عدلا. ولما قيد علمه بأعمالهم ذكر العموم بعد الخصوص فقال: والله بكل شيء عليم .