لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا
يقول تعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المدينة رؤيا أخبر بها أصحابه، أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت، فلما جرى يوم الحديبية ما جرى، ورجعوا من غير دخول لمكة، [ ص: 1676 ] كثر في ذلك الكلام منهم، حتى إنهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله هنا: ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ فقال:" أخبرتكم أنه العام؟" قالوا: لا قال:"فإنكم ستأتونه وتطوفون به" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق أي: لا بد من وقوعها وصدقها، ولا يقدح في ذلك تأخر تأويلها، لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين أي: في هذه الحال المقتضية لتعظيم هذا البيت الحرام، وأدائكم للنسك، وتكميله بالحلق والتقصير، وعدم الخوف، فعلم من المصلحة والمنافع ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك الدخول بتلك الصفة فتحا قريبا
ولما كانت هذه الواقعة مما تشوشت بها قلوب بعض المؤمنين، وخفيت عليهم حكمتها، فبين تعالى حكمتها ومنفعتها، وهكذا سائر أحكامه الشرعية، فإنها كلها، هدى ورحمة.
أخبر بحكم عام، فقال: هو الذي أرسل رسوله بالهدى الذي هو العلم النافع، الذي يهدي من الضلالة، ويبين طرق الخير والشر.
ودين الحق أي: الدين الموصوف بالحق، وهو العدل والإحسان والرحمة.
وهو كل عمل صالح مزك للقلوب، مطهر للنفوس، مرب للأخلاق، معل للأقدار.
ليظهره بما بعثه الله به على الدين كله بالحجة والبرهان، ويكون داعيا لإخضاعهم بالسيف والسنان.