فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون
أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.
والليل وما وسق أي: احتوى عليه من حيوانات وغيرها، والقمر إذا اتسق أي: امتلأ نورا بإبداره، وذلك أحسن ما يكون وأكثر منافع، والمقسم عليه قوله: لتركبن أي: أيها الناس طبقا عن طبق أي: أطوارا متعددة وأحوالا متباينة، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدا وطفلا ومميزا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث ويجازى بأعماله، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم، ومع هذا، فكثير من الناس لا يؤمنون.
وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون أي: لا يخضعون للقرآن، ولا ينقادون لأوامره ونواهيه، بل الذين كفروا يكذبون أي: يعاندون الحق بعدما تبين، فلا يستغرب عدم إيمانهم وعدم [ ص: 1953 ] وانقيادهم للقرآن، فإن المكذب بالحق عنادا، لا حيلة فيه، والله أعلم بما يوعون أي: بما يعملونه وينوونه سرا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، وسيجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال فبشرهم بعذاب أليم وسميت البشارة بشارة، لأنها تؤثر في البشرة سرورا أو غما.
فهذه حال أكثر الناس، التكذيب بالقرآن، وعدم الإيمان به .
ومن الناس فريق هداهم الله، فآمنوا بالله، وقبلوا ما جاءتهم به الرسل، فآمنوا وعملوا الصالحات.
فهؤلاء لهم أجر غير ممنون أي: غير مقطوع بل هو أجر دائم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والحمد لله.
تم تفسير السورة ولله الحمد