وقوله: [ ص: 616 ] وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون
(31) يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم: وإذا تتلى عليهم آياتنا الدالة على صدق ما جاء به الرسول.
قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين وهذا من عنادهم وظلمهم، وإلا فقد تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون الله، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم.
فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى، كذبه الواقع، وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
(32) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا الذي يدعو إليه محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم، والجهل بما ينبغي من الخطاب.
فلو أنهم إذ أقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات ما أوجب لهم أن يكونوا على بصيرة ويقين منه، قالوا لمن ناظرهم وادعى أن الحق معه: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له، لكان أولى لهم وأستر لظلمهم.
فمذ قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، علم بمجرد قولهم أنهم السفهاء الأغبياء، الجهلة الظالمون.
(33) فلو عاجلهم الله بالعقاب لما أبقى منهم باقية، ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب بسبب وجود الرسول بين أظهرهم، فقال: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فوجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم أمنة لهم من العذاب.
وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رؤوس الأشهاد، يدرون بقبحها، فكانوا يخافون من وقوعها فيهم، فيستغفرون الله تعالى فلهذا قال: وما كان الله معذبهم وهم [ ص: 617 ] يستغفرون
فهذا مانع يمنع من وقوع العذاب بهم، بعدما انعقدت أسبابه.
(34) ثم قال وما لهم ألا يعذبهم الله أي: أي شيء يمنعهم من عذاب الله، وقد فعلوا ما يوجب ذلك، وهو صد الناس عن المسجد الحرام، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين هم أولى به منهم، ولهذا قال: وما كانوا أي: المشركون أولياءه يحتمل أن الضمير يعود إلى الله، أي: أولياء الله. ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام، أي: وما كانوا أولى به من غيرهم. إن أولياؤه إلا المتقون وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وأفردوا الله بالتوحيد والعبادة، وأخلصوا له الدين. ولكن أكثرهم لا يعلمون فلذلك ادعوا لأنفسهم أمرا غيرهم أولى به.