ويحدد الله للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة الإيمان ; ويبين لهم من يتولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . .
هكذا على وجه القصر الذي لا يدع مجالا للتمحل أو التأول ; ولا يترك فرصة لتمييع الحركة الإسلامية أو تمييع التصور . .
ولم يكن بد أن يكون الأمر كذلك ! لأن المسألة في صميمها - كما قلنا - هي مسألة العقيدة . ومسألة الحركة بهذه العقيدة . وليكون الولاء لله خالصا ، والثقة به مطلقة ، وليكون الإسلام هو "الدين " . وليكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وسائر الصفوف التي لا تتخذ الإسلام دينا ، ولا تجعل الإسلام منهجا للحياة . ولتكون للحركة الإسلامية جديتها ونظامها ; فلا يكون الولاء فيها لغير قيادة واحدة وراية واحدة . ولا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة ; لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة . .
ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان ، أو مجرد راية وشعار ، أو مجرد كلمة تقال باللسان ، أو مجرد نسب ينتقل بالوراثة ، أو مجرد وصف يلحق القاطنين في مكان ! فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا :
. .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهم راكعون فمن صفتهم إقامة الصلاة - لا مجرد أداء الصلاة - وإقامة الصلاة تعني أداءها أداء كاملا ، تنشأ عنه آثارها التي يقررها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . . والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر ،
[ ص: 921 ] لم يقم الصلاة ; فلو أقامها لنهته كما يقول الله !
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28801_2649_2646صفتهم إيتاء الزكاة . . أي أداء حق المال طاعة لله وقربى عن رضى نفس ورغبة ، فليست الزكاة مجرد ضريبة مالية ، إنما هي كذلك عبادة . أو هي عبادة مالية . وهذه هي ميزة المنهج الإسلامي . الذي يحقق أهدافا شتى بالفريضة الواحدة . وليس كذلك الأنظمة الأرضية التي تحقق هدفا وتفرط في أهداف . .
إنه لا يغني في إصلاح حال المجتمع أن يأخذ المجتمع المال ضريبة (مدنية ! ) أو أن يأخذ المال من الأغنياء للفقراء باسم الدولة ، أو باسم الشعب ، أو باسم جهة أرضية ما . . فهي في صورتها هذه قد تحقق هدفا واحدا ; وهو إيصال المال للمحتاجين . .
فأما الزكاة . . فتعني اسمها ومدلولها . . إنها قبل كل شيء طهارة ونماء . . إنها زكاة للضمير بكونها عبادة لله . وبالشعور الطيب المصاحب لها تجاه الإخوان الفقراء ، بما أنها عبادة لله يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة ، كما يرجو منها نماء المال في الحياة الدنيا بالبركة وبالنظام الاقتصادي المبارك . ثم بالشعور الطيب في نفوس الفقراء الآخذين أنفسهم ; إذ يشعرون أنها فضل الله عليهم إذ قررها لهم في أموال الأغنياء ; ولا يشعرون معها بالحقد والتشفي من إخوانهم الأغنياء (مع تذكر أن الأغنياء في النظام الإسلامي لا يكسبون إلا من حلال ولا يجورون على حق أحد وهم يجمعون نصيبهم من المال ) . . وفي النهاية تحقق هدف الضريبة المالية في هذا الجو الراضي الخير الطيب . . جو الزكاة والطهارة والنماء . .
وأداء الزكاة سمة من سمات الذين آمنوا تقرر أنهم يتبعون شريعة الله في شؤون الحياة ; فهي إقرار منهم بسلطان الله في أمرهم كله . . وهذا هو الإسلام . .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55وهم راكعون . .
ذلك شأنهم ، كأنه الحالة الأصلية لهم . . ومن ثم لم يقف عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55يقيمون الصلاة . . فهذه السمة الجديدة أعم وأشمل . إذ أنها ترسمهم للخاطر كأن هذا هو شأنهم الدائم . فأبرز سمة لهم هي هذه السمة ، وبها يعرفون . .
وما أعمق إيحاءات التعبيرات القرآنية في مثل هذه المناسبات !
والله يعد الذين آمنوا - في مقابل الثقة به ، والالتجاء إليه ، والولاء له وحده - ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية . . ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله . . يعدهم النصر والغلبة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=56ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون . .
وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها . . وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين ; وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى ، وارتدادا عن الدين . .
وهنا لفتة قرآنية مطردة . . فالله - سبحانه - يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير ! لا لأنه سيغلب ، أو سيمكن له في الأرض فهذه ثمرات تأتي في حينها ; وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين ; لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين . . والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم . لا شيء لذواتهم وأشخاصهم . وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم ، ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم ! فيكون لهم ثواب الجهد فيه ; وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض ، وصلاح الأرض بهذا التمكين . .
[ ص: 922 ] كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم ; وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم - وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة - فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة ; وتخطي العقبة ، والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة ، فيكون لهم ثواب الجهاد ، وثواب التمكين لدين الله ، وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين .
كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال ، بحالة الجماعة المسلمة يومذاك ، وحاجتها إلى هذه البشريات . بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله . . مما يرجح ما ذهبنا إليه عن تاريخ نزول هذا القطاع من السورة .
ثم تخلص لنا هذه القاعدة ; التي لا تتعلق بزمان ولا مكان . . فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف . وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف . فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون . . ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق ! وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق !
وبعد فلقد سلك المنهج القرآني في هذا السياق طرقا منوعة ، لنهي الذين آمنوا عن تولي المخالفين لهم في عقيدتهم من أهل الكتاب والمشركين ، ولتقرير هذه القاعدة الإيمانية في ضمائرهم وإحساسهم وعقولهم . مما يدل على أهمية هذه القاعدة في التصور الإسلامي ; وفي الحركة الإسلامية على السواء . .
وقد رأينا من قبل أنه سلك في النداء الأول طريق النهي المباشر ، وطريق التخويف من أن يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده ، فينكشف ستر المنافقين . . وسلك في النداء الثاني طريق التحذير من الردة بموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين ; وطريق التحبيب في أن يكونوا من العصبة المختارة . ممن يحبهم الله ويحبونه ; وطريق الوعد بالنصر لحزب الله الغالب . .
وَيُحَدِّدُ اللَّهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا جِهَةَ الْوَلَاءِ الْوَحِيدَةَ الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ صِفَةِ الْإِيمَانِ ; وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَنْ يَتَوَلَّوْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . .
هَكَذَا عَلَى وَجْهِ الْقَصْرِ الَّذِي لَا يَدَعُ مَجَالًا لِلتَّمَحُّلِ أَوِ التَّأَوُّلِ ; وَلَا يَتْرُكُ فُرْصَةً لِتَمْيِيعِ الْحَرَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَوْ تَمْيِيعِ التَّصَوُّرِ . .
وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ! لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي صَمِيمِهَا - كَمَا قُلْنَا - هِيَ مَسْأَلَةُ الْعَقِيدَةِ . وَمَسْأَلَةُ الْحَرَكَةِ بِهَذِهِ الْعَقِيدَةِ . وَلِيَكُونَ الْوَلَاءُ لِلَّهِ خَالِصًا ، وَالثِّقَةُ بِهِ مُطْلَقَةً ، وَلِيَكُونَ الْإِسْلَامُ هُوَ "الدِّينُ " . وَلِيَكُونَ الْأَمْرُ أَمْرَ مُفَاصَلَةٍ بَيْنَ الصَّفِّ الْمُسْلِمِ وَسَائِرِ الصُّفُوفِ الَّتِي لَا تَتَّخِذُ الْإِسْلَامَ دِينًا ، وَلَا تَجْعَلُ الْإِسْلَامَ مَنْهَجًا لِلْحَيَاةِ . وَلِتَكُونَ لِلْحَرَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ جِدِّيَّتُهَا وَنِظَامُهَا ; فَلَا يَكُونُ الْوَلَاءُ فِيهَا لِغَيْرِ قِيَادَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَايَةٍ وَاحِدَةٍ . وَلَا يَكُونُ التَّنَاصُرُ إِلَّا بَيْنَ الْعُصْبَةِ الْمُؤْمِنَةِ ; لِأَنَّهُ تَنَاصُرٌ فِي الْمَنْهَجِ الْمُسْتَمَدِّ مِنَ الْعَقِيدَةِ . .
وَلَكِنْ حَتَّى لَا يَكُونَ الْإِسْلَامُ مُجَرَّدَ عُنْوَانٍ ، أَوْ مُجَرَّدَ رَايَةٍ وَشِعَارٍ ، أَوْ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ تُقَالُ بِاللِّسَانِ ، أَوْ مُجَرَّدَ نَسَبٍ يَنْتَقِلُ بِالْوِرَاثَةِ ، أَوْ مُجَرَّدَ وَصْفٍ يُلْحِقُ الْقَاطِنِينَ فِي مَكَانٍ ! فَإِنَّ السِّيَاقَ يَذْكَرُ بَعْضَ السِّمَاتِ الرَّئِيسِيَّةِ لِلَّذِينَ آمَنُوا :
. .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَهُمْ رَاكِعُونَ فَمِنْ صِفَتِهِمْ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ - لَا مُجَرَّدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ - وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ تَعْنِي أَدَاءَهَا أَدَاءً كَامِلًا ، تَنْشَأُ عَنْهُ آثَارُهَا الَّتِي يُقَرِّرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ . . وَالَّذِي لَا تَنْهَاهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ،
[ ص: 921 ] لَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ ; فَلَوْ أَقَامَهَا لَنَهَتْهُ كَمَا يَقُولُ اللَّهُ !
وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28801_2649_2646صِفَتِهِمْ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ . . أَيْ أَدَاءُ حَقِّ الْمَالِ طَاعَةً لِلَّهِ وَقُرْبَى عَنْ رِضَى نَفْسٍ وَرَغْبَةٍ ، فَلَيْسَتِ الزَّكَاةُ مُجَرَّدَ ضَرِيبَةٍ مَالِيَّةٍ ، إِنَّمَا هِيَ كَذَلِكَ عِبَادَةٌ . أَوْ هِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ . وَهَذِهِ هِيَ مِيزَةُ الْمَنْهَجِ الْإِسْلَامِيِّ . الَّذِي يُحَقِّقُ أَهْدَافًا شَتَّى بِالْفَرِيضَةِ الْوَاحِدَةِ . وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَنْظِمَةُ الْأَرْضِيَّةُ الَّتِي تُحَقِّقُ هَدَفًا وَتُفَرِّطُ فِي أَهْدَافٍ . .
إِنَّهُ لَا يُغْنِي فِي إِصْلَاحِ حَالِ الْمُجْتَمَعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُجْتَمَعُ الْمَالَ ضَرِيبَةً (مَدَنِيَّةً ! ) أَوْ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ بِاسْمِ الدَّوْلَةِ ، أَوْ بِاسْمِ الشَّعْبِ ، أَوْ بِاسْمِ جِهَةٍ أَرْضِيَّةٍ مَا . . فَهِيَ فِي صُورَتِهَا هَذِهِ قَدْ تُحَقِّقَ هَدَفًا وَاحِدًا ; وَهُوَ إِيصَالُ الْمَالِ لِلْمُحْتَاجِينَ . .
فَأَمَّا الزَّكَاةُ . . فَتَعْنِي اسْمَهَا وَمَدْلُولَهَا . . إِنَّهَا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ طَهَارَةٌ وَنَمَاءٌ . . إِنَّهَا زَكَاةٌ لِلضَّمِيرِ بِكَوْنِهَا عِبَادَةً لِلَّهِ . وَبِالشُّعُورِ الطَّيِّبِ الْمُصَاحِبِ لَهَا تُجَاهَ الْإِخْوَانِ الْفُقَرَاءِ ، بِمَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ لِلَّهِ يَرْجُو عَلَيْهَا فَاعِلُهَا حُسْنَ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا يَرْجُو مِنْهَا نَمَاءَ الْمَالِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالْبَرَكَةِ وَبِالنِّظَامِ الِاقْتِصَادِيِّ الْمُبَارَكِ . ثُمَّ بِالشُّعُورِ الطَّيِّبِ فِي نُفُوسِ الْفُقَرَاءِ الْآخِذِينَ أَنْفُسَهُمْ ; إِذْ يَشْعُرُونَ أَنَّهَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِذْ قَرَّرَهَا لَهُمْ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ ; وَلَا يَشْعُرُونَ مَعَهَا بِالْحِقْدِ وَالتَّشَفِّي مِنْ إِخْوَانِهِمُ الْأَغْنِيَاءِ (مَعَ تَذَكُّرِ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ فِي النِّظَامِ الْإِسْلَامِيِّ لَا يَكْسِبُونَ إِلَّا مِنْ حَلَالٍ وَلَا يَجُورُونَ عَلَى حَقِّ أَحَدٍ وَهُمْ يَجْمَعُونَ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمَالِ ) . . وَفِي النِّهَايَةِ تُحَقِّقُ هَدَفَ الضَّرِيبَةِ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْجَوِّ الرَّاضِي الْخَيِّرِ الطَّيِّبِ . . جَوِّ الزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّمَاءِ . .
وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ الَّذِينَ آمَنُوا تُقَرِّرُ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ شَرِيعَةَ اللَّهِ فِي شُؤُونِ الْحَيَاةِ ; فَهِيَ إِقْرَارٌ مِنْهُمْ بِسُلْطَانِ اللَّهِ فِي أَمْرِهِمْ كُلِّهِ . . وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ . .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55وَهُمْ رَاكِعُونَ . .
ذَلِكَ شَأْنُهُمْ ، كَأَنَّهُ الْحَالَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَهُمْ . . وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=55يُقِيمُونَ الصَّلاةَ . . فَهَذِهِ السِّمَةُ الْجَدِيدَةُ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ . إِذْ أَنَّهَا تَرْسُمُهُمْ لِلْخَاطِرِ كَأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُهُمُ الدَّائِمُ . فَأَبْرَزُ سِمَةٍ لَهُمْ هِيَ هَذِهِ السِّمَةُ ، وَبِهَا يُعْرَفُونَ . .
وَمَا أَعْمَقَ إِيحَاءَاتِ التَّعْبِيرَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ !
وَاللَّهُ يَعِدُ الَّذِينَ آمَنُوا - فِي مُقَابِلِ الثِّقَةِ بِهِ ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ ، وَالْوَلَاءِ لَهُ وَحْدَهُ - وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِالتَّبَعِيَّةِ . . وَمُقَابِلَ الْمُفَاصَلَةِ الْكَامِلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جَمِيعِ الصُّفُوفِ إِلَّا الصَّفَّ الَّذِي يَتَمَحَّضُ لِلَّهِ . . يَعِدُهُمُ النَّصْرَ وَالْغَلَبَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=56وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهَ هُمُ الْغَالِبُونَ . .
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْوَعْدُ بِالْغَلَبِ بَعْدَ بَيَانِ قَاعِدَةِ الْإِيمَانِ فِي ذَاتِهَا . . وَأَنَّهَا هِيَ الْوَلَاءُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ; وَبَعْدَ التَّحْذِيرِ مِنَ الْوَلَاءِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَاعْتِبَارِهِ خُرُوجًا مِنَ الصَّفِّ الْمُسْلِمِ إِلَى صَفِّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَارْتِدَادًا عَنِ الدِّينِ . .
وَهُنَا لَفْتَةٌ قُرْآنِيَّةٌ مُطَّرِدَةٌ . . فَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُرِيدُ مِنَ الْمُسْلِمِ أَنْ يُسْلِمَ لِمُجَرَّدِ أَنَّ الْإِسْلَامَ خَيْرٌ ! لَا لِأَنَّهُ سَيَغْلِبُ ، أَوْ سَيُمَكَّنُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَهَذِهِ ثَمَرَاتٌ تَأْتِي فِي حِينِهَا ; وَتَأْتِي لِتَحْقِيقِ قَدَرِ اللَّهِ فِي التَّمْكِينِ لِهَذَا الدِّينِ ; لَا لِتَكُونَ هِيَ بِذَاتِهَا الْإِغْرَاءَ عَلَى الدُّخُولِ فِي هَذَا الدِّينِ . . وَالْغَلَبَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا شَيْءَ مِنْهُ لَهُمْ . لَا شَيْءَ لِذَوَاتِهِمْ وَأَشْخَاصِهِمْ . وَإِنَّمَا هُوَ قَدَرُ اللَّهِ يُجْرِيهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ ، وَيَرْزُقُهُمْ إِيَّاهُ لِحِسَابِ عَقِيدَتِهِمْ لَا لِحِسَابِهِمْ ! فَيَكُونُ لَهُمْ ثَوَابُ الْجُهْدِ فِيهِ ; وَثَوَابُ النَّتَائِجِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ التَّمْكِينِ لِدِينِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ، وَصَلَاحِ الْأَرْضِ بِهَذَا التَّمْكِينِ . .
[ ص: 922 ] كَذَلِكَ قَدْ يَعِدُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ الْغَلَبَ لِتَثْبِيتِ قُلُوبِهِمْ ; وَإِطْلَاقِهَا مِنْ عَوَائِقِ الْوَاقِعِ الْحَاضِرِ أَمَامَهُمْ - وَهِيَ عَوَائِقُ سَاحِقَةٌ فِي أَحْيَانٍ كَثِيرَةٍ - فَإِذَا اسْتَيْقَنُوا الْعَاقِبَةَ قَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى اجْتِيَازِ الْمِحْنَةِ ; وَتَخَطِّي الْعَقَبَةِ ، وَالطَّمَعِ فِي أَنْ يَتَحَقَّقَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَعْدُ اللَّهِ لِلْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ ، فَيَكُونُ لَهُمْ ثَوَابُ الْجِهَادِ ، وَثَوَابُ التَّمْكِينِ لِدِينِ اللَّهِ ، وَثَوَابُ النَّتَائِجِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا التَّمْكِينِ .
كَذَلِكَ يَشِي وُرُودُ هَذَا النَّصِّ فِي هَذَا الْمَجَالِ ، بِحَالَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ يَوْمَذَاكَ ، وَحَاجَتِهَا إِلَى هَذِهِ الْبُشْرَيَاتِ . بِذِكْرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ غَلَبَةِ حِزْبِ اللَّهِ . . مِمَّا يُرَجِّحُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ عَنْ تَارِيخِ نُزُولِ هَذَا الْقِطَاعِ مِنَ السُّورَةِ .
ثُمَّ تَخْلُصُ لَنَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ; الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ . . فَنَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا بِوَصْفِهَا سُنَّةً مِنْ سُنَنِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَتَخَلَّفُ . وَإِنْ خَسِرَتِ الْعُصْبَةُ الْمُؤْمِنَةُ بَعْضَ الْمَعَارِكِ وَالْمَوَاقِفِ . فَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا تُنْقَضُ هِيَ أَنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ . . وَوَعْدَ اللَّهِ الْقَاطِعَ أَصْدَقُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ فِي بَعْضِ مَرَاحِلِ الطَّرِيقِ ! وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا هُوَ الطَّرِيقُ الْمُؤَدِّي لِتَحَقُّقِ وَعْدِ اللَّهِ فِي نِهَايَةِ الطَّرِيقِ !
وَبَعْدُ فَلَقَدْ سَلَكَ الْمَنْهَجُ الْقُرْآنِيُّ فِي هَذَا السِّيَاقِ طُرُقًا مُنَوَّعَةً ، لِنَهْيِ الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ تَوَلِّي الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي عَقِيدَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَلِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْإِيمَانِيَّةِ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَإِحْسَاسِهِمْ وَعُقُولِهِمْ . مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي التَّصَوُّرِ الْإِسْلَامِيِّ ; وَفِي الْحَرَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ . .
وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ سَلَكَ فِي النِّدَاءِ الْأَوَّلِ طَرِيقَ النَّهْيِ الْمُبَاشِرِ ، وَطَرِيقَ التَّخْوِيفِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَيَنْكَشِفُ سِتْرُ الْمُنَافِقِينَ . . وَسَلَكَ فِي النِّدَاءِ الثَّانِي طَرِيقَ التَّحْذِيرِ مِنَ الرِّدَّةِ بِمُوَالَاةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ; وَطَرِيقَ التَّحْبِيبِ فِي أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْعُصْبَةِ الْمُخْتَارَةِ . مِمَّنْ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحِبُّونَهُ ; وَطَرِيقَ الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ لِحِزْبِ اللَّهِ الْغَالِبِ . .