ثم يمضي السياق في مجال التحريم والتحليل ، يتحدث عن
nindex.php?page=treesubj&link=25507_3441الصيد في حالة الإحرام ، وكفارة قتله ، وعن حكمة الله في تحريم البيت والأشهر الحرم والهدي والقلائد ، التي نهى عن المساس بها في مطالع السورة . . ثم يختم هذه الفقرة بوضع ميزان القيم للنفس المسلمة وللمجتمع المسلم . . الميزان الذي يرجح فيه الطيب وإن قل ، على الكثير الخبيث :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما، ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما، واتقوا الله الذي إليه تحشرون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام، قياما للناس، والشهر الحرام والهدي والقلائد. ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله بكل شيء عليم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=98اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=99ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100قل: لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث، فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون . .
لقد قال تعالى للذين آمنوا في أول هذه السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم، غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. وإذا حللتم فاصطادوا.. .
وكان هذا النهي عن إحلال الصيد وهم حرم ; وعن إحلال شعائر الله ، أو الشهر الحرام أو الهدي والقلائد ، أو قاصدي البيت الحرام ، لا يرتب عقوبة في الدنيا على المخالف ، إنما يلحقه الإثم . . فالآن يبين العقوبة وهي الكفارة "ليذوق وبال أمره " ويعلن العفو عما سلف من إحلال هذه المحارم ; ويهدد بانتقام الله ممن يعود بعد هذا البيان .
وتبدأ هذه الفقرة كما تبدأ كل فقرات هذا القطاع بالنداء المألوف : يا أيها الذين آمنوا . . ثم يخبرهم أنهم مقدمون على امتحان من الله وابتلاء ; في أمر الصيد الذي نهوا عنه وهم محرمون :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم، ليعلم الله من يخافه بالغيب، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم . .
إنه صيد سهل ، يسوقه الله إليهم . صيد تناله أيديهم من قريب ، وتناله رماحهم بلا مشقة . ولقد حكي أن الله ساق لهم هذا الصيد حتى لكان يطوف بخيامهم ومنازلهم من قريب ! . . إنه الإغراء الذي يكون فيه الابتلاء . . إنه ذات الإغراء الذي عجزت بنو إسرائيل من قبل عن الصمود له ، حين ألحوا على نبيهم
موسى - عليه السلام - أن يجعل الله لهم يوما للراحة والصلاة لا يشتغلون فيه بشيء من شؤون المعاش . فجعل لهم السبت .
[ ص: 980 ] ثم ساق إليهم صيد البحر يجيئهم قاصدا الشاطئ متعرضا لأنظارهم في يوم السبت . فإذا لم يكن السبت اختفى ، شأن السمك في الماء . فلم يطيقوا الوفاء بعهودهم مع الله ; وراحوا - في جبلة اليهود المعروفة - يحتالون على الله فيحوطون على السمك يوم السبت ولا يصيدونه ; حتى إذا كان الصباح التالي عادوا فأمسكوه من التحويطة ! وذلك الذي وجه الله - سبحانه - رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن يواجههم ويفضحهم به في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=163واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون . .
هذا الابتلاء بعينه ابتلى به الله الأمة المسلمة ، فنجحت حيث أخفقت يهود . . وكان هذا مصداق قول الله سبحانه في هذه الأمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم. منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون . .
ولقد نجحت هذه الأمة في مواطن كثيرة حيث أخفق بنو إسرائيل . ومن ثم نزع الله الخلافة في الأرض من بني إسرائيل وائتمن عليها هذه الأمة . ومكن لها في الأرض ما لم يمكن لأمة قبلها . إذ أن منهج الله لم يتمثل تمثلا كاملا في نظام واقعي يحكم الحياة كلها كما تمثل في خلافة الأمة المسلمة . . ذلك يوم أن كانت مسلمة . يوم أن كانت تعلم أن الإسلام هو أن يتمثل دين الله وشريعته في حياة البشر . وتعلم أنها هي المؤتمنة على هذه الأمانة الضخمة ; وأنها هي الوصية على البشرية لتقيم فيها منهج الله ، وتقوم عليه بأمانة الله .
ولقد كان هذا الاختبار بالصيد السهل في أثناء فترة الإحرام أحد الاختبارات التي اجتازتها هذه الأمة بنجاح . وكانت عناية الله - سبحانه - بتربية هذه الأمة بمثل هذه الاختبارات من مظاهر رعايته واصطفائه .
ولقد كشف الله للذين آمنوا في هذا الحادث عن حكمة الابتلاء :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94ليعلم الله من يخافه بالغيب . .
إن
nindex.php?page=treesubj&link=19995مخافة الله بالغيب هي قاعدة هذه العقيدة في ضمير المسلم . القاعدة الصلبة التي يقوم عليها بناء العقيدة ، وبناء السلوك ، وتناط بها أمانة الخلافة في الأرض بمنهج الله القويم . .
إن الناس لا يرون الله ; ولكنهم يجدونه في نفوسهم حين يؤمنون . . إنه تعالى بالنسبة لهم غيب ، ولكن قلوبهم تعرفه بالغيب وتخافه . إن استقرار هذه الحقيقة الهائلة - حقيقة الإيمان بالله بالغيب ومخافته - والاستغناء عن رؤية الحس والمشاهدة ; والشعور بهذا الغيب شعورا يوازي - بل يرجح - الشهادة ; حتى ليؤدي المؤمن شهادة : بأن لا إله إلا الله . وهو لم ير الله . . إن استقرار هذه الحقيقة على هذا النحو يعبر عن نقلة ضخمة في ارتقاء الكائن البشري ، وانطلاق طاقاته الفطرية ، واستخدام أجهزته المركوزة في تكوينه الفطري على الوجه الأكمل ; وابتعاده - بمقدار هذا الارتقاء - عن عالم البهيمة التي لا تعرف الغيب - بالمستوى الذي تهيأ له الإنسان - بينما يعبر انغلاق روحه عن رؤية ما وراء الحس ، وانكماش إحساسه في دائرة المحسوس ، عن تعطل أجهزة الالتقاط والاتصال الراقية فيه ، وانتكاسه إلى المستوى الحيواني في الحس "المادي " !
ومن ثم يجعلها الله سبحانه حكمة لهذا الابتلاء ; ويكشف للذين آمنوا عن هذه الحكمة كي تحتشد نفوسهم لتحقيقها . .
والله سبحانه يعلم علما لدنيا من يخافه بالغيب . ولكنه - سبحانه - لا يحاسب الناس على ما يعلمه عنهم علما لدنيا . إنما يحاسبهم على ما يقع منهم فيعلمه الله - سبحانه - علم وقوع . .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم . .
[ ص: 981 ] فقد أخبر بالابتلاء ، وعرف حكمة تعرضه له ، وحذر من الوقوع فيه ; وبذلت له كل أسباب النجاح فيه . . فإذا هو اعتدى - بعد ذلك - كان العذاب الأليم جزاء حقا وعدلا ; وقد اختار بنفسه هذا الجزاء واستحقه فعلا .
ثُمَّ يَمْضِي السِّيَاقُ فِي مَجَالِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ ، يَتَحَدَّثُ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=25507_3441الصَّيْدِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ ، وَكَفَّارَةِ قَتْلِهِ ، وَعَنْ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي تَحْرِيمِ الْبَيْتِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ ، الَّتِي نَهَى عَنِ الْمَسَاسِ بِهَا فِي مَطَالِعِ السُّورَةِ . . ثُمَّ يَخْتِمُ هَذِهِ الْفِقْرَةَ بِوَضْعِ مِيزَانِ الْقِيَمِ لِلنَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ وَلِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ . . الْمِيزَانُ الَّذِي يَرْجَحُ فِيهِ الطَّيِّبُ وَإِنْ قُلَّ ، عَلَى الْكَثِيرِ الْخَبِيثِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مِنَ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ، أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، أَوْ عَدْلٍ ذَلِكَ صِيَامًا، لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ، عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، قِيَامًا لِلنَّاسِ، وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ. ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=98اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=99مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100قُلْ: لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . .
لَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا. وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا.. .
وَكَانَ هَذَا النَّهْيُ عَنْ إِحْلَالِ الصَّيْدِ وَهُمْ حُرُمٌ ; وَعَنْ إِحْلَالِ شَعَائِرِ اللَّهِ ، أَوِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَوِ الْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ ، أَوْ قَاصِدِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، لَا يُرَتِّبُ عُقُوبَةً فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمُخَالِفِ ، إِنَّمَا يَلْحَقُهُ الْإِثْمُ . . فَالْآنَ يُبَيِّنُ الْعُقُوبَةَ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ "لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ " وَيُعْلِنَ الْعَفْوَ عَمَّا سَلَفَ مِنْ إِحْلَالِ هَذِهِ الْمَحَارِمِ ; وَيُهَدِّدُ بِانْتِقَامِ اللَّهِ مِمَّنْ يَعُودُ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ .
وَتَبْدَأُ هَذِهِ الْفِقْرَةُ كَمَا تَبْدَأُ كُلُّ فِقْرَاتِ هَذَا الْقِطَاعِ بِالنِّدَاءِ الْمَأْلُوفِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا . . ثُمَّ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ مُقْدِمُونَ عَلَى امْتِحَانٍ مِنَ اللَّهِ وَابْتِلَاءٍ ; فِي أَمْرِ الصَّيْدِ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ وَهُمْ مُحْرِمُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ مِنَ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ، فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . .
إِنَّهُ صَيْدٌ سَهْلٌ ، يَسُوقُهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ . صَيْدٌ تَنَالُهُ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَرِيبٍ ، وَتَنَالُهُ رِمَاحُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ . وَلَقَدْ حُكِيَ أَنَّ اللَّهَ سَاقَ لَهُمْ هَذَا الصَّيْدَ حَتَّى لَكَانَ يَطُوفُ بِخِيَامِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ مِنْ قَرِيبٍ ! . . إِنَّهُ الْإِغْرَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الِابْتِلَاءُ . . إِنَّهُ ذَاتُ الْإِغْرَاءِ الَّذِي عَجَزَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلُ عَنِ الصُّمُودِ لَهُ ، حِينَ أَلَحُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمًا لِلرَّاحَةِ وَالصَّلَاةِ لَا يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ شُؤُونِ الْمَعَاشِ . فَجَعَلَ لَهُمُ السَّبْتَ .
[ ص: 980 ] ثُمَّ سَاقَ إِلَيْهِمْ صَيْدَ الْبَحْرِ يَجِيئُهُمْ قَاصِدًا الشَّاطِئَ مُتَعَرِّضًا لِأَنْظَارِهِمْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ . فَإِذَا لَمْ يَكُنِ السَّبْتُ اخْتَفَى ، شَأْنُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ . فَلَمْ يُطِيقُوا الْوَفَاءَ بِعُهُودِهِمْ مَعَ اللَّهِ ; وَرَاحُوا - فِي جِبِلَّةِ الْيَهُودِ الْمَعْرُوفَةِ - يَحْتَالُونَ عَلَى اللَّهِ فَيُحَوِّطُونَ عَلَى السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَا يَصِيدُونَهُ ; حَتَّى إِذَا كَانَ الصَّبَاحُ التَّالِي عَادُوا فَأَمْسَكُوهُ مِنَ التَّحْوِيطَةِ ! وَذَلِكَ الَّذِي وَجَّهَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَنْ يُوَاجِهَهُمْ وَيَفْضَحَهُمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=163وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . .
هَذَا الِابْتِلَاءُ بِعَيْنِهِ ابْتَلَى بِهِ اللَّهُ الْأُمَّةَ الْمُسْلِمَةَ ، فَنَجَحَتْ حَيْثُ أَخْفَقَتْ يَهُودُ . . وَكَانَ هَذَا مِصْدَاقَ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ. مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ . .
وَلَقَدْ نَجَحَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ حَيْثُ أَخْفَقَ بَنُو إِسْرَائِيلَ . وَمِنْ ثَمَّ نَزَعَ اللَّهُ الْخِلَافَةَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَائْتَمَنَ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ . وَمَكَّنَ لَهَا فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ يُمَكِّنْ لِأُمَّةٍ قَبْلَهَا . إِذْ أَنَّ مَنْهَجَ اللَّهِ لَمْ يَتَمَثَّلْ تَمَثُّلًا كَامِلًا فِي نِظَامٍ وَاقِعِيٍّ يَحْكُمُ الْحَيَاةَ كُلَّهَا كَمَا تَمَثَّلَ فِي خِلَافَةِ الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ . . ذَلِكَ يَوْمَ أَنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً . يَوْمَ أَنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ أَنْ يَتَمَثَّلَ دِينُ اللَّهِ وَشَرِيعَتُهُ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِ . وَتَعْلَمُ أَنَّهَا هِيَ الْمُؤْتَمَنَةُ عَلَى هَذِهِ الْأَمَانَةِ الضَّخْمَةِ ; وَأَنَّهَا هِيَ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ لِتُقِيمَ فِيهَا مَنْهَجَ اللَّهِ ، وَتَقُومَ عَلَيْهِ بِأَمَانَةِ اللَّهِ .
وَلَقَدْ كَانَ هَذَا الِاخْتِبَارُ بِالصَّيْدِ السَّهْلِ فِي أَثْنَاءِ فَتْرَةِ الْإِحْرَامِ أَحَدَ الِاخْتِبَارَاتِ الَّتِي اجْتَازَتْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ بِنَجَاحٍ . وَكَانَتْ عِنَايَةُ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - بِتَرْبِيَةِ هَذِهِ الْأَمَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الِاخْتِبَارَاتِ مِنْ مَظَاهِرِ رِعَايَتِهِ وَاصْطِفَائِهِ .
وَلَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي هَذَا الْحَادِثِ عَنْ حِكْمَةِ الِابْتِلَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ . .
إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19995مَخَافَةَ اللَّهِ بِالْغَيْبِ هِيَ قَاعِدَةُ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ فِي ضَمِيرِ الْمُسْلِمِ . الْقَاعِدَةُ الصُّلْبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بِنَاءُ الْعَقِيدَةِ ، وَبِنَاءُ السُّلُوكِ ، وَتُنَاطُ بِهَا أَمَانَةُ الْخِلَافَةِ فِي الْأَرْضِ بِمَنْهَجِ اللَّهِ الْقَوِيمِ . .
إِنَّ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ ; وَلَكِنَّهُمْ يَجِدُونَهُ فِي نُفُوسِهِمْ حِينَ يُؤْمِنُونَ . . إِنَّهُ تَعَالَى بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ غَيْبٌ ، وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ تَعْرِفُهُ بِالْغَيْبِ وَتَخَافُهُ . إِنَّ اسْتِقْرَارَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْهَائِلَةِ - حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِالْغَيْبِ وَمَخَافَتِهِ - وَالِاسْتِغْنَاءَ عَنْ رُؤْيَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ ; وَالشُّعُورَ بِهَذَا الْغَيْبِ شُعُورًا يُوَازِي - بَلْ يَرْجَحُ - الشَّهَادَةَ ; حَتَّى لَيُؤَدِّي الْمُؤْمِنُ شَهَادَةَ : بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . وَهُوَ لَمْ يَرَ اللَّهَ . . إِنَّ اسْتِقْرَارَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يُعَبِّرُ عَنْ نَقْلَةٍ ضَخْمَةٍ فِي ارْتِقَاءِ الْكَائِنِ الْبَشَرِيِّ ، وَانْطِلَاقِ طَاقَاتِهِ الْفِطْرِيَّةِ ، وَاسْتِخْدَامِ أَجْهِزَتِهِ الْمَرْكُوزَةِ فِي تَكْوِينِهِ الْفِطْرِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ ; وَابْتِعَادِهِ - بِمِقْدَارِ هَذَا الِارْتِقَاءِ - عَنْ عَالَمِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُ الْغَيْبَ - بِالْمُسْتَوَى الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ الْإِنْسَانُ - بَيْنَمَا يُعَبِّرُ انْغِلَاقِ رُوحِهِ عَنْ رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَ الْحِسِّ ، وَانْكِمَاشِ إِحْسَاسِهِ فِي دَائِرَةِ الْمَحْسُوسِ ، عَنْ تَعَطُّلِ أَجْهِزَةِ الِالْتِقَاطِ وَالِاتِّصَالِ الرَّاقِيَةِ فِيهِ ، وَانْتِكَاسِهِ إِلَى الْمُسْتَوَى الْحَيَوَانِيِّ فِي الْحِسِّ "الْمَادِّيِّ " !
وَمِنْ ثَمَّ يَجْعَلُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِكْمَةً لِهَذَا الِابْتِلَاءِ ; وَيَكْشِفُ لِلَّذِينَ آمَنُوا عَنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ كَيْ تَحْتَشِدَ نُفُوسُهُمْ لِتَحْقِيقِهَا . .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ عِلْمًا لَدُنِيًّا مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ . وَلَكِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَا يُحَاسِبُ النَّاسَ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ عَنْهُمْ عِلْمًا لَدُنِيًّا . إِنَّمَا يُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُمْ فَيَعْلَمُهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عِلْمَ وُقُوعٍ . .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . .
[ ص: 981 ] فَقَدْ أُخْبِرَ بِالِابْتِلَاءِ ، وَعَرَفَ حِكْمَةَ تَعَرُّضِهِ لَهُ ، وَحُذِّرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ ; وَبُذِلَتْ لَهُ كُلُّ أَسْبَابِ النَّجَاحِ فِيهِ . . فَإِذَا هُوَ اعْتَدَى - بَعْدَ ذَلِكَ - كَانَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ جَزَاءً حَقًّا وَعَدْلًا ; وَقَدِ اخْتَارَ بِنَفْسِهِ هَذَا الْجَزَاءَ وَاسْتَحَقَّهُ فِعْلًا .