ثم يمضي السياق يصور طبيعة العناد ، التي ينبعث منها ذلك الإعراض ; فيرسم نموذجا عجيبا من النفوس البشرية . . ولكنه نموذج مع ذلك مكرور ، يجده الإنسان في كل عصر وفي كل بيئة وفي كل جيل . . نموذج النفس المكابرة ، التي يخرق الحق عينها ولا تراه ! والتي تنكر ما لا ينكر لأنه من الوضوح بحيث يخجل المخالف أن ينكره ! على الأقل من باب الحياء ! . . والقرآن يرسم هذا النموذج شاخصا في كلمات قلائل ، على طريقة التعبير القرآني المبدعة المعجزة في التعبير والتصوير :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم، لقال الذين كفروا: إن هذا إلا سحر مبين . .
إنه ليس الذي يجعلهم يعرضون عن آيات الله ، أن البرهان على صدقها ضعيف ، أو غامض ، أو تختلف فيه العقول . إنما الذي يجعلهم يقفون هذا الموقف هو المكابرة الغليظة والعناد الصفيق ! وهو الإصرار مبدئيا على الرفض والإنكار وعدم اعتبار البرهان أو النظر إليه أصلا ! ولو أن الله - سبحانه - نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القرآن ، لا عن طريق الوحي الذي لا يرونه ; ولكن في ورقة منظورة ملموسة محسوسة ; ثم لمسوا هم هذه الورقة بأيديهم - لا سماعا عن غيرهم ، ولا مجرد رؤية بعيونهم - ما سلموا بهذا الذي يرونه ويلمسونه ، ولقالوا جازمين مؤكدين :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7إن هذا إلا سحر مبين .
وهي صورة صفيقة ، منكرة ، تثير الاشمئزاز ، وتستعدي من يراها عليها ! صورة تثير النفس لتتقدم فتصفعها ! حيث لا مجال مع هذه الجبلات لحجة أو جدل أو دليل !
وتصويرها على هذا النحو - وهي صورة تمثل حقيقة لنماذج مكرورة - يؤدي غرضين أو عدة أغراض : إنه يجسم للمعارضين أنفسهم حقيقة موقفهم الشائن الكريه البغيض ; كالذي يرفع المرآة لصاحب الوجه الشائه والسحنة المنكرة ، ليرى نفسه في هذه المرآة ، ويخجل منها !
وهو في الوقت ذاته يستجيش ضمائر المؤمنين تجاه إعراض المشركين وإنكار المنكرين ; ويثبت قلوبهم على الحق ، فلا تتأثر بالجو المحيط من التكذيب والإنكار والفتنة والإيذاء .
كذلك هو يوحي بحلم الله الذي لا يعجل على هؤلاء المعارضين المكذبين ، وهم في مثل هذا العناد المنكر الصفيق .
وكلها أسلحة وحركة في المعركة التي كانت تخوضها الجماعة المسلمة بهذا القرآن في مواجهة المشركين . بعد ذلك يحكي نموذجا من اقتراحات المشركين ، التي يمليها التمحل والعناد ، كما يمليها الجهل وسوء التصور . . ذلك إذ يقترحون أن ينزل الله - سبحانه - على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ملكا يصاحبه في تبليغ الدعوة ; ويصدقه في أنه مرسل من عند الله . . ثم يبين لهم ما في هذا الاقتراح من جهل بطبيعة الملائكة ، وبسنة الله في إرسالهم ، كما يبين لهم رحمة الله بهم في أن لا يستجيب لهم فيما يقترحون :
[ ص: 1040 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وقالوا: لولا أنزل عليه ملك! ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا، وللبسنا عليهم ما يلبسون . .
وهذا الاقتراح الذي كان المشركون يقترحونه ; والذي اقترحه من قبلهم أقوام كثيرون على رسلهم - كما يحكي القرآن الكريم في قصصهم - والرد القرآني عليه في هذا الموضع . . هذا وذاك يثيران جملة حقائق نلم بها هنا بقدر الإمكان :
الحقيقة الأولى : أن أولئك المشركين من
العرب لم يكونوا يجحدون الله ; ولكنهم كانوا يريدون برهانا على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرسل من عنده ; وأن هذا الكتاب الذي يتلوه عليهم منزل من عند الله حقا . ويقترحون برهانا معينا : هو أن ينزل الله عليه ملكا يصاحبه في الدعوة ويصدق دعواه . . ولم يكن هذا إلا اقتراحا من اقتراحات كثيرة من مثله ، ورد ذكرها في القرآن في مواضع منه شتى . وذلك كالذي ورد في سورة الإسراء ، وهو يتضمن هذا الاقتراح ، واقتراحات من نوعه تدل كلها على التعنت الذي وصفته الآية السابقة ، كما تدل على الجهل بكثير من الحقائق الكونية وكثير من القيم الحقيقية : .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=89ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، فأبى أكثر الناس إلا كفورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=91أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه. قل: سبحان ربي! هل كنت إلا بشرا رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا: أبعث الله بشرا رسولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قل: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا . . (الإسراء : 89 - 95 ) .
ومن مثل هذه الاقتراحات يتبين التعنت كما تتبين الجهالة . . وإلا فقد كان لهم من خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يعرفونه جيدا بالخبرة الطويلة ; ما يدلهم على صدقه وأمانته وهم كانوا يلقبونه الأمين ، ويودعون لديه أماناتهم حتى وهم معه على أشد الخلاف وقد هاجر - صلى الله عليه وسلم - وترك ابن عمه
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا - رضي الله عنه - يرد إلى
قريش ودائعهم التي كانت ما تزال عنده ; وهم معه على الخلاف الذي يدبرون معه قتله ! وكذلك كان صدقه عندهم مستيقنا كأمانته ; فإنه لما دعاهم أول مرة دعوة جماعية جهرية على
الصفا - حين أمره ربه بذلك - وسألهم : إن كانوا يصدقونه لو أنبأهم بنبأ ، أجابوه كلهم بأنه عندهم مصدق . . فلو كانوا يريدون أن يعلموا صدقه لقد كان لهم في ماضيه برهان ، ولقد كانوا يعلمون : إنه لصادق . . وسيأتي في سياق السورة خبر الله الصادق لنبيه : أنهم لا يكذبونه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون. فإنهم لا يكذبونك. ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون . . فهي الرغبة في الإنكار والإعراض ; وهو العناد والاستكبار عن الحق . وليس أنهم يشكون في صدقه صلى الله عليه وسلم !
ثم لقد كان لهم في القرآن ذاته برهان أصدق من هذه البراهين المادية التي يطلبون . فإن هذا القرآن شاهد بذاته ، بتعبيره ثم بمحتوى هذا التعبير ، على أنه من عند الله . . وهم لم يكونوا يجحدون الله . . وهم - على وجه التأكيد - كانوا يحسون ذلك ويعرفونه . . كانوا يعرفون بحسهم اللغوي الأدبي الفني مدى الطاقة البشرية ; ويعرفون أن هذا القرآن فوق هذا المدى ، وهذا الإحساس يعرفه من يمارس فن القول ويتذوقه أكثر مما يعرفه من ليست له هذه الممارسة . وكل من مارس فن القول يدرك إدراكا واضحا أن هذا القرآن فوق ما يملك البشر أن يبلغوا ; لا ينكر هذا إلا معاند يجد الحق في نفسه ثم يخفيه ! كما أن المحتوى القرآني من التصور الاعتقادي
[ ص: 1041 ] والمنهج الذي يتخذه لتقرير هذا الاعتقاد في الإدراك البشري ، ونوع المؤثرات واللمسات الموحية . . كلها غير معهود في طبيعة التصورات البشرية والمناهج البشرية ، والطرائق البشرية في الأداء النفسي والتعبيري أيضا . .
والعرب لم يكن يخفى عليهم الشعور بهذا في قرارة نفوسهم . وأقوالهم ذاتها وأحوالهم تقرر أنهم ما كانوا يشكون في أن هذا القرآن من عند الله . .
وهكذا يبدو أن هذه الاقتراحات لم تكن طلبا للبرهان ; إنما كانت وسيلة من وسائل الإعنات ; وأسلوبا من أساليب التعنت ; وخطة للمماحكة والمعاندة ; وأنهم كانوا كما قال الله سبحانه عنهم في الآية السابقة :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم، لقال الذين كفروا: إن هذا إلا سحر مبين !
والحقيقة الثانية : أن
العرب كانوا يعرفون الملائكة ; وكانوا يطلبون أن ينزل الله على رسوله ملكا يدعو معه ويصدقه . . ولكنهم لم يكونوا يعرفون طبيعة هذا الخلق التي لا يعلمها إلا الله ; وكانوا يخبطون في التيه بلا دليل في تصور هذا الخلق ; وفي نوع علاقته بربه ; ونوع علاقته بالأرض وأهلها . . وقد حكى القرآن الكريم كثيرا من ضلالات
العرب وأساطير الوثنية حول الملائكة ; وصححها كلها لهم ليستقيم تصور من يهتدي بهذا الدين منهم ; وتصح معرفتهم لهذا الكون وما يعمره من خلائق . وكان الإسلام - من هذا الجانب - منهجا لتقويم العقل والشعور ، كما كان منهجا لتقويم القلب والضمير ، ومنهجا لتقويم الأوضاع والأحوال سواء . .
وحكى القرآن الكريم من أضاليل
العرب ومن جهالاتهم في جاهليتهم ، أنهم كانوا يظنون أن الملائكة بنات الله ! سبحانه وتعالى عما يصفون ! وأنهم - من ثم - لهم شفاعة عند الله لا ترد ! والراجح أن بعض كبار الأصنام كانت رموزا للملائكة ! كما حكى قولهم هذا في طلبهم أن ينزل الله على رسوله ملكا ليصدقه في دعواه . . وقد صحح لهم القرآن ضلالتهم الأولى في مواضع منه شتى . كالذي جاء في سورة النجم :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تلك إذا قسمة ضيزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=24أم للإنسان ما تمنى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=25فلله الآخرة والأولى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=26وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .
كما صحح لهم ضلالتهم الثانية في تصورهم لطبيعة الملائكة في هاتين الآيتين في هذه السورة وفي مواضع أخرى كثيرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وقالوا: لولا أنزل عليه ملك! ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون . .
وهذا جانب من التعريف بهذا الخلق من عباد الله . . إنهم يقترحون أن ينزل الله ملكا . ولكن سنة الله أن ينزل الملائكة - حين ينزلون إلى الأرض على قوم كذبوا برسولهم - أن ينزلوا للتدمير عليهم ، وتحقيق أمر الله فيهم بالهلاك والدمار . ولو أن الله استجاب للمشركين من
العرب فأنزل ملكا ، لقضي الأمر ، وتم التدمير ، ولم ينظروا إلى مهلة بعد هذا التنزيل ! فهل هذا ما يريدون وما يقترحون ؟ وهلا يستشعرون رحمة الله في عدم إجابتهم لما يقترحون لأنفسهم من الهلاك المبين ؟ ! . . هكذا يقفهم السياق وجها لوجه أمام رحمة الله بهم وحلمه عليهم ; وأمام جهلهم بمصلحة أنفسهم ، وجهلهم بسنة الله في تنزيل الملائكة . . وهم بهذا الجهل الذي يكاد يدمر عليهم حياتهم ، يرفضون الهدى ويرفضون الرحمة ويتعنتون في طلب الدليل ! والجانب الثاني من التعريف بهذا الخلق من عباد الله تتضمنه الآية الثانية :
[ ص: 1042 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا، وللبسنا عليهم ما يلبسون . .
إنهم يقترحون أن ينزل الله - سبحانه - ملكا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - يصدقه في دعواه . . ولكن الملائكة خلق آخر غير الخلق الإنساني . خلق ذو طبيعة خاصة يعلمها الله . وهم - كما يقول الله عنهم ، ونحن لا علم لنا بهم إلا مما يقوله عنهم الذي خلقهم - لا يستطيعون أن يمشوا في الأرض بهيئتهم التي خلقهم الله عليها ; لأنهم ليسوا من سكان هذا الكوكب ; ولكن لهم - مع ذلك - من الخصائص ما يجعلهم يتخذون هيئة البشر حين يؤدون وظيفة من وظائفهم في حياة البشر ; كتبليغ الرسالة ; أو التدمير على من يريد الله أن يدمر عليهم من المكذبين ; أو تثبيت المؤمنين ، أو قتال أعدائهم وقتلهم . . إلى آخر الوظائف التي يقص القرآن الكريم أنهم يكلفون بها من ربهم ، فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
فلو شاء الله أن يرسل ملكا يصدق رسوله ، لتبدى للناس في صورة رجل - لا في صورته الملائكية - وعندئذ يلتبس عليهم الأمر مرة أخرى ! وإذا كانوا يلبسون على أنفسهم الحقيقة
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم : أنا
محمد الذي تعرفونه أرسلني الله إليكم لأنذركم وأبشركم . . فكيف يكون اللبس إذا جاءهم ملك - في صورة رجل لا يعرفونه - يقول لهم : أنا ملك أرسلني الله لأصدق رسوله . . بينما هم يرونه رجلا كأي منهم ؟ ! إنهم يلبسون الحقيقة البسيطة . فلو أرسل الله ملكا لجعله رجلا وللبس عليهم الحقيقة التي يلبسونها ; ولما اهتدوا قط إلى يقين !
وهكذا يكشف الله - سبحانه - جهلهم بطبيعة خلائقه ، كما كشف لهم جهلهم في معرفة سنته . . وذلك بالإضافة إلى كشف تعنتهم وعنادهم بلا مبرر ، وبلا معرفة ، وبلا دليل !
والحقيقة الثالثة التي يثيرها النص القرآني في الفكر : هي طبيعة التصور الإسلامي ومقومات هذا التصور - ومن بينها تلك العوالم الظاهرة والمغيبة التي علم الإسلام المسلم أن يدركها أولا ، وأن يتعامل معها أخيرا - ومن بين تلك العوالم المغيبة عالم الملائكة . . وقد جعل الإسلام الإيمان بها مقوما من مقومات الإيمان ، لا يتم الإيمان إلا به . . الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره . .
وقد سبق أن ذكرنا في هذه الظلال ونحن نتحدث عن مطلع سورة البقرة : ما ملخصه أن
nindex.php?page=treesubj&link=29692الإيمان بالغيب نقلة في حياة الإنسان ضخمة ; لأن خروجه من دائرة المحسوس الضيقة إلى إدراك أن هناك غيبا مجهولا يمكن وجوده ويمكن تصوره ، هو - بلا شك - نقلة من دائرة الحس الحيواني إلى مجال الإدراك الإنساني . وأن إغلاق هذا المجال دون الإدراك الإنساني نكسة به إلى الوراء ; وهو ما تحاوله المذاهب المادية الحسية ; وتدعوه "تقدمية " ! وسنتحدث - إن شاء الله - بشيء من التفصيل عن "الغيب " عندما نواجه في هذه السورة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو . . فنقصر الحديث هنا عن الملائكة ، من عالم الغيب .
لقد تضمن التصور الإسلامي عن عالم الغيب ، أن هناك خلقا من عباد الله اسمهم الملائكة . وأخبرنا القرآن الكريم عن قدر من صفاتهم ، يكفي لهذا التصور ، ويكفي للتعامل معهم في حدوده .
فهم خلق من خلق الله ، يدين لله بالعبودية ، وبالطاعة المطلقة ; وهم قريبون من الله - لا ندري كيف ولا ندري نوع القرب على وجه التحديد - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=26وقالوا: اتخذ الرحمن ولدا. سبحانه! بل عباد مكرمون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون
..
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=19ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=20يسبحون الليل والنهار لا يفترون . .
وهم يحملون عرش الرحمن ، ويحفون به يوم القيامة كذلك - لا ندري كيف ! فليس لنا من علم إلا بقدر
[ ص: 1043 ] ما كشف الله لنا من هذا الغيب - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ... ..
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وقضي بينهم بالحق وقيل: الحمد لله رب العالمين . .
وهم خزنة الجنة وخزنة النار ، يستقبلون أهل الجنة بالسلام والدعاء ، ويستقبلون أهل النار بالتأنيب والوعيد :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا، حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها، وقال لهم خزنتها: ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا: بلى! ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=72قيل: ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا، حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها، وقال لهم خزنتها: سلام عليكم، طبتم فادخلوها خالدين ..
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة . .
وهم يتعاملون مع أهل الأرض في صور شتى :
فهم يقومون عليهم حفظة بأمر الله ; يتابعونهم ويسجلون عليهم كل ما يصدر عنهم ; ويتوفونهم إذا جاء أجلهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ..
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه.. من أمر الله.. ..
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . .
وهم يبلغون الوحي إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم . . وقد أعلمنا الله - سبحانه - أن
جبريل عليه السلام هو الذي يقوم منهم بهذه الوظيفة :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده: أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله . . ووصفه - سبحانه - بأنه ذو مرة (أي قوة ) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه على هيئته الملائكية مرتين اثنتين ، بينما جاءه في صور شتى في مرات الوحي التالية :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم وما غوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة فاستوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11ما كذب الفؤاد ما رأى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=12أفتمارونه على ما يرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13ولقد رآه نزلة أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=14عند سدرة المنتهى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=15عندها جنة المأوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إذ يغشى السدرة ما يغشى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لقد رأى من آيات ربه الكبرى ... . .
وهم يتنزلون على المؤمنين بالتثبيت والمدد والتأييد في معركتهم الكبرى مع الباطل والطاغوت :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ..
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=124إذ تقول للمؤمنين: ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.. ..
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إذ يوحي ربك إلى الملائكة: أني معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب، فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . .
وهم مشغولون بأمر المؤمنين ، يسبحون ربهم ، ويستغفرون للذين آمنوا من ذنوبهم ، ويدعون ربهم لهم دعاء المحب المشفق المشغول بشأن من يحب :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، إنك أنت العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم . .
[ ص: 1044 ] وهم كذلك يبشرون المؤمنين بالجنة عند قبض أرواحهم ، ويستقبلونهم بالبشرى في الآخرة ويسلمون عليهم في الجنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، يقولون: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ..
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23 .. جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار . .
وهم يستقبلون الكافرين في جهنم بالتأنيب والوعيد - كما سبق - ويقاتلونهم في معارك الحق كذلك . وكذلك هم يستلون أرواحهم في تعذيب وتأنيب ومهانة :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ..
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=27فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم! . .
ولقد كان لهم شأن مع البشر منذ نشأة أبيهم
آدم ، كما أن هذه الصلة امتدت في طول الحياة وعرضها حتى مجال الحياة الباقية على النحو الذي أشرنا إليه في المقتطفات القرآنية السابقة . وشأن الملائكة مع النشأة الإنسانية يرد في مواضع شتى ، كالذي جاء في سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم: إني أعلم غيب السماوات والأرض، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.. . .
فهذا المجال الفسيح الذي تتصل فيه حياة البشر بهذا الملأ الأعلى ، هو فسحة في التصور ، وفسحة في إدراك حقائق هذا الوجود ، وفسحة في الشعور ، وفسحة في الحركة النفسية والفكرية ، يتيحها التصور الإسلامي للمسلم ; والقرآن يعرض عليه هذا المجال الفسيح ، وعالم الغيب المتصل بما هو فيه من عالم الشهود .
والذين يريدون أن يغلقوا على "الإنسان " هذا المجال . . ومجال عالم الغيب كله . . إنما يريدون به أقبح الشر . . يريدون أن يغلقوا عالمه على مدى الحس القريب المحدود ; ويريدون بذلك أن يزجوا به في عالم البهائم ; وقد كرمه الله بقوة التصور ; التي يملك بها أن يدرك ما لا تدركه البهائم ; وأن يعيش في بحبوحة من المعرفة ، وبحبوحة من الشعور ! وأن ينطلق بعقله وقلبه إلى مثل هذا العالم ; وأن يتطهر وهو يرف بكيانه كله في مثل هذا النور !
والعرب في جاهليتهم - على كل ما في هذه الجاهلية من خطأ في التصور - كانوا (من هذا الجانب ) أرقى من أهل الجاهلية (العلمية ! ) الحديثة ; الذين يسخرون من الغيب كله ! ويعدون الإيمان بمثل هذه العوالم الغيبية سذاجة غير علمية ! ويضعون "الغيبية " في كفة ، و "العلمية " في الكفة الأخرى ! وسنناقش عند مواجهة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو هذه الدعوى التي لا سند لها من العلم ، كما أنه لا سند لها من الدين . أما هنا فنكتفي بكلمة مختصرة عن شأن الملائكة .
ونسأل : ماذا عند أدعياء العقلية "العلمية " ، من علمهم ذاته ، يحتم عليهم نفي هذا الخلق المسمى بالملائكة ، وإبعاده عن دائرة التصور والتصديق ؟ ماذا لديهم من علم يوجب عليهم ذلك ؟
إن علمهم لا يملك أن ينفي وجود حياة من نوع آخر غير الحياة المعروفة في الأرض في أجرام أخرى ، يختلف تركيب جوها وتختلف طبيعتها وظروفها عن جو الأرض وظروفها . . فلماذا يجزمون بنفي هذه العوالم ، وهم
[ ص: 1045 ] لا يملكون دليلا واحدا على نفي وجودها ؟
إننا لا نحاكمهم إلى عقيدتنا ، ولا إلى قول الله سبحانه ! إنما نحاكمهم إلى "علمهم " الذي يتخذونه إلها . . فلا نجد إلا أن المكابرة وحدها - من غير أي دليل من هذا العلم - هي التي تقودهم إلى هذا الإنكار "غير العلمي " ! ألمجرد أن هذه العوالم غيب ؟ لقد نرى حين نناقش هذه القضية أن الغيب الذي ينكرونه هو الحقيقة الوحيدة التي يجزم هذا "العلم " اليوم بوجودها ; حتى في عالم الشهادة الذي تلمسه الأيدي وتراه العيون .
ثُمَّ يَمْضِي السِّيَاقُ يُصَوِّرُ طَبِيعَةَ الْعِنَادِ ، الَّتِي يَنْبَعِثُ مِنْهَا ذَلِكَ الْإِعْرَاضُ ; فَيَرْسُمُ نُمُوذَجًا عَجِيبًا مِنَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ . . وَلَكِنَّهُ نَمُوذَجٌ مَعَ ذَلِكَ مَكْرُورٌ ، يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَفِي كُلِّ بِيئَةٍ وَفِي كُلِّ جِيلٍ . . نَمُوذَجُ النَّفْسِ الْمُكَابِرَةِ ، الَّتِي يَخْرُقُ الْحَقُّ عَيْنَهَا وَلَا تَرَاهُ ! وَالَّتِي تُنْكِرُ مَا لَا يُنْكَرُ لِأَنَّهُ مِنَ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ يَخْجَلُ الْمُخَالِفُ أَنْ يُنْكِرَهُ ! عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ بَابِ الْحَيَاءِ ! . . وَالْقُرْآنُ يَرْسُمُ هَذَا النَّمُوذَجَ شَاخِصًا فِي كَلِمَاتٍ قَلَائِلَ ، عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ الْمُبْدِعَةِ الْمُعْجِزَةِ فِي التَّعْبِيرِ وَالتَّصْوِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ، لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ . .
إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي يَجْعَلُهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ ، أَنَّ الْبُرْهَانَ عَلَى صِدْقِهَا ضَعِيفٌ ، أَوْ غَامِضٌ ، أَوْ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْعُقُولُ . إِنَّمَا الَّذِي يَجْعَلُهُمْ يَقِفُونَ هَذَا الْمَوْقِفَ هُوَ الْمُكَابَرَةُ الْغَلِيظَةُ وَالْعِنَادُ الصَّفِيقُ ! وَهُوَ الْإِصْرَارُ مَبْدَئِيًّا عَلَى الرَّفْضِ وَالْإِنْكَارِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْبُرْهَانِ أَوِ النَّظَرِ إِلَيْهِ أَصْلًا ! وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - نَزَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقُرْآنَ ، لَا عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ الَّذِي لَا يَرَوْنَهُ ; وَلَكِنْ فِي وَرَقَةٍ مَنْظُورَةٍ مَلْمُوسَةٍ مَحْسُوسَةٍ ; ثُمَّ لَمَسُوا هُمْ هَذِهِ الْوَرَقَةَ بِأَيْدِيهِمْ - لَا سَمَاعًا عَنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَا مُجَرَّدَ رُؤْيَةٍ بِعُيُونِهِمْ - مَا سَلَّمُوا بِهَذَا الَّذِي يَرَوْنَهُ وَيَلْمِسُونَهُ ، وَلَقَالُوا جَازِمِينَ مُؤَكِّدِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ .
وَهِيَ صُورَةٌ صَفِيقَةٌ ، مُنْكَرَةٌ ، تُثِيرَ الِاشْمِئْزَازَ ، وَتَسْتَعِدِّي مَنْ يَرَاهَا عَلَيْهَا ! صُورَةٌ تُثِيرُ النَّفْسَ لِتَتَقَدَّمَ فَتَصْفَعُهَا ! حَيْثُ لَا مَجَالَ مَعَ هَذِهِ الْجِبِلَّاتِ لِحُجَّةٍ أَوْ جَدَلٍ أَوْ دَلِيلٍ !
وَتَصْوِيرُهَا عَلَى هَذَا النَّحْوِ - وَهِيَ صُورَةٌ تُمَثِّلُ حَقِيقَةً لِنَمَاذِجَ مَكْرُورَةٍ - يُؤَدِّي غَرَضَيْنِ أَوْ عِدَّةَ أَغْرَاضٍ : إِنَّهُ يُجَسِّمُ لِلْمُعَارِضِينَ أَنْفُسِهِمْ حَقِيقَةَ مَوْقِفِهِمُ الشَّائِنِ الْكَرِيهِ الْبَغِيضِ ; كَالَّذِي يَرْفَعُ الْمِرْآةَ لِصَاحِبِ الْوَجْهِ الشَّائِهِ وَالسَّحْنَةِ الْمُنْكَرَةِ ، لِيَرَى نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْمِرْآةِ ، وَيَخْجَلَ مِنْهَا !
وَهُوَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ يَسْتَجِيشُ ضَمَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ تُجَاهَ إِعْرَاضِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْكَارِ الْمُنْكِرِينَ ; وَيُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْحَقِّ ، فَلَا تَتَأَثَّرُ بِالْجَوِّ الْمُحِيطِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْإِنْكَارِ وَالْفِتْنَةِ وَالْإِيذَاءِ .
كَذَلِكَ هُوَ يُوحِي بِحِلْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُعَجِّلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَارِضِينَ الْمُكَذِّبِينَ ، وَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْعِنَادِ الْمُنْكَرِ الصَّفِيقِ .
وَكُلُّهَا أَسْلِحَةٌ وَحَرَكَةٌ فِي الْمَعْرَكَةِ الَّتِي كَانَتْ تَخُوضُهَا الْجَمَاعَةُ الْمُسْلِمَةُ بِهَذَا الْقُرْآنِ فِي مُوَاجَهَةِ الْمُشْرِكِينَ . بَعْدَ ذَلِكَ يَحْكِي نُمُوذَجًا مِنَ اقْتِرَاحَاتِ الْمُشْرِكِينَ ، الَّتِي يُمْلِيهَا التَّمَحُّلُ وَالْعِنَادُ ، كَمَا يُمْلِيهَا الْجَهْلُ وَسُوءُ التَّصَوُّرِ . . ذَلِكَ إِذْ يَقْتَرِحُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكًا يُصَاحِبُهُ فِي تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ ; وَيُصَدِّقُهُ فِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . . ثُمَّ يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا فِي هَذَا الِاقْتِرَاحِ مِنْ جَهْلٍ بِطَبِيعَةِ الْمَلَائِكَةِ ، وَبِسُنَّةِ اللَّهِ فِي إِرْسَالِهِمْ ، كَمَا يُبَيِّنُ لَهُمْ رَحْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ فِي أَنْ لَا يَسْتَجِيبَ لَهُمْ فِيمَا يَقْتَرِحُونَ :
[ ص: 1040 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وَقَالُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ! وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا، وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ . .
وَهَذَا الِاقْتِرَاحُ الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقْتَرِحُونَهُ ; وَالَّذِي اقْتَرَحَهُ مِنْ قَبْلِهِمْ أَقْوَامٌ كَثِيرُونَ عَلَى رُسُلِهِمْ - كَمَا يَحْكِي الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قَصَصِهِمْ - وَالرَّدُّ الْقُرْآنِيُّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . . هَذَا وَذَاكَ يُثِيرَانِ جُمْلَةَ حَقَائِقَ نُلِمُّ بِهَا هُنَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ :
الْحَقِيقَةُ الْأُولَى : أَنَّ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ
الْعَرَبِ لَمْ يَكُونُوا يَجْحَدُونَ اللَّهَ ; وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ بُرْهَانًا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِهِ ; وَأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقًّا . وَيَقْتَرِحُونَ بُرْهَانًا مُعَيَّنًا : هُوَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُصَاحِبُهُ فِي الدَّعْوَةِ وَيُصَدِّقُ دَعْوَاهُ . . وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا اقْتِرَاحًا مِنَ اقْتِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ، وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ شَتَّى . وَذَلِكَ كَالَّذِي وَرَدَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ هَذَا الِاقْتِرَاحَ ، وَاقْتِرَاحَاتٍ مِنْ نَوْعِهِ تَدُلُّ كُلُّهَا عَلَى التَّعَنُّتِ الَّذِي وَصَفَتْهُ الْآيَةُ السَّابِقَةُ ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْحَقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْقِيَمِ الْحَقِيقِيَّةِ : .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=89وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90وَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=91أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا، أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ، أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ. قُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي! هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قُلْ: لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا . . (الْإِسْرَاءَ : 89 - 95 ) .
وَمِنْ مِثْلِ هَذِهِ الِاقْتِرَاحَاتِ يَتَبَيَّنُ التَّعَنُّتُ كَمَا تَتَبَيَّنُ الْجَهَالَةُ . . وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لَهُمْ مِنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَعْرِفُونَهُ جَيِّدًا بِالْخِبْرَةِ الطَّوِيلَةِ ; مَا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَهُمْ كَانُوا يُلَقِّبُونَهُ الْأَمِينَ ، وَيُودِعُونَ لَدَيْهِ أَمَانَاتِهِمْ حَتَّى وَهُمْ مَعَهُ عَلَى أَشَدِّ الْخِلَافِ وَقَدْ هَاجَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكَ ابْنَ عَمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرُدُّ إِلَى
قُرَيْشٍ وَدَائِعَهُمُ الَّتِي كَانَتْ مَا تَزَالُ عِنْدَهُ ; وَهُمْ مَعَهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي يُدَبِّرُونَ مَعَهُ قَتْلَهُ ! وَكَذَلِكَ كَانَ صِدْقُهُ عِنْدَهُمْ مُسْتَيْقَنًا كَأَمَانَتِهِ ; فَإِنَّهُ لَمَّا دَعَاهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ دَعْوَةً جَمَاعِيَّةً جَهْرِيَّةً عَلَى
الصَّفَا - حِينَ أَمَرَهُ رَبُّهُ بِذَلِكَ - وَسَأَلَهُمْ : إِنْ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ لَوْ أَنْبَأَهُمْ بِنَبَأٍ ، أَجَابُوهُ كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ مُصَدَّقٌ . . فَلَوْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْلَمُوا صِدْقَهُ لَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي مَاضِيهِ بُرْهَانٌ ، وَلَقَدْ كَانُوا يَعْلَمُونَ : إِنَّهُ لَصَادِقٌ . . وَسَيَأْتِي فِي سِيَاقِ السُّورَةِ خَبَرُ اللَّهِ الصَّادِقُ لِنَبِيِّهِ : أَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ. فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ. وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ . . فَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الْإِنْكَارِ وَالْإِعْرَاضِ ; وَهُوَ الْعِنَادُ وَالِاسْتِكْبَارُ عَنِ الْحَقِّ . وَلَيْسَ أَنَّهُمْ يَشُكُّونَ فِي صِدْقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !
ثُمَّ لَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي الْقُرْآنِ ذَاتِهِ بُرْهَانٌ أَصْدَقُ مِنْ هَذِهِ الْبَرَاهِينِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي يَطْلُبُونَ . فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ شَاهِدٌ بِذَاتِهِ ، بِتَعْبِيرِهِ ثُمَّ بِمُحْتَوَى هَذَا التَّعْبِيرِ ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . . وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْحَدُونَ اللَّهَ . . وَهُمْ - عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ - كَانُوا يُحِسُّونَ ذَلِكَ وَيَعْرِفُونَهُ . . كَانُوا يَعْرِفُونَ بِحِسِّهِمُ اللُّغَوِيِّ الْأَدَبِيِّ الْفَنِّيِّ مَدَى الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ ; وَيَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فَوْقَ هَذَا الْمَدَى ، وَهَذَا الْإِحْسَاسُ يَعْرِفُهُ مَنْ يُمَارِسُ فَنَّ الْقَوْلِ وَيَتَذَوَّقُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِفُهُ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ هَذِهِ الْمُمَارَسَةُ . وَكُلُّ مَنْ مَارَسَ فَنَّ الْقَوْلِ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا وَاضِحًا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فَوْقَ مَا يَمْلِكُ الْبَشَرُ أَنْ يَبْلُغُوا ; لَا يُنْكِرُ هَذَا إِلَّا مُعَانِدٌ يَجِدُ الْحَقَّ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ يُخْفِيهِ ! كَمَا أَنَّ الْمُحْتَوَى الْقُرْآنِيَّ مِنَ التَّصَوُّرِ الِاعْتِقَادِيِّ
[ ص: 1041 ] وَالْمَنْهَجِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ لِتَقْرِيرِ هَذَا الِاعْتِقَادِ فِي الْإِدْرَاكِ الْبَشَرِيِّ ، وَنَوْعِ الْمُؤَثِّرَاتِ وَاللَّمَسَاتِ الْمُوحِيَةِ . . كُلُّهَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي طَبِيعَةِ التَّصَوُّرَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْمَنَاهِجِ الْبَشَرِيَّةِ ، وَالطَّرَائِقِ الْبَشَرِيَّةِ فِي الْأَدَاءِ النَّفْسِيِّ وَالتَّعْبِيرِيِّ أَيْضًا . .
وَالْعَرَبُ لَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ بِهَذَا فِي قَرَارَةِ نُفُوسِهِمْ . وَأَقْوَالُهُمْ ذَاتُهَا وَأَحْوَالُهُمْ تُقَرِّرُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَشُكُّونَ فِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . .
وَهَكَذَا يَبْدُو أَنَّ هَذِهِ الِاقْتِرَاحَاتِ لَمْ تَكُنْ طَلَبًا لِلْبُرْهَانِ ; إِنَّمَا كَانَتْ وَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْنَاتِ ; وَأُسْلُوبًا مِنْ أَسَالِيبِ التَّعَنُّتِ ; وَخُطَّةً لِلْمُمَاحِكَةِ وَالْمُعَانَدَةِ ; وَأَنَّهُمْ كَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ، لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ !
وَالْحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ
الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمَلَائِكَةَ ; وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَلَكًا يَدْعُو مَعَهُ وَيُصَدِّقُهُ . . وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ طَبِيعَةَ هَذَا الْخَلْقِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ ; وَكَانُوا يَخْبِطُونَ فِي التِّيهِ بِلَا دَلِيلٍ فِي تَصَوُّرِ هَذَا الْخَلْقِ ; وَفِي نَوْعِ عَلَاقَتِهِ بِرَبِّهِ ; وَنَوْعِ عَلَاقَتِهِ بِالْأَرْضِ وَأَهْلِهَا . . وَقَدْ حَكَى الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كَثِيرًا مِنْ ضَلَالَاتِ
الْعَرَبِ وَأَسَاطِيرِ الْوَثَنِيَّةِ حَوْلَ الْمَلَائِكَةِ ; وَصَحَّحَهَا كُلَّهَا لَهُمْ لِيَسْتَقِيمَ تَصَوُّرُ مَنْ يَهْتَدِي بِهَذَا الدِّينِ مِنْهُمْ ; وَتَصِحَّ مَعْرِفَتُهُمْ لِهَذَا الْكَوْنِ وَمَا يَعْمُرُهُ مِنْ خَلَائِقَ . وَكَانَ الْإِسْلَامُ - مِنْ هَذَا الْجَانِبِ - مَنْهَجًا لِتَقْوِيمِ الْعَقْلِ وَالشُّعُورِ ، كَمَا كَانَ مَنْهَجًا لِتَقْوِيمِ الْقَلْبِ وَالضَّمِيرِ ، وَمَنْهَجًا لِتَقْوِيمِ الْأَوْضَاعِ وَالْأَحْوَالِ سَوَاءٌ . .
وَحَكَى الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مِنْ أَضَالِيلِ
الْعَرَبِ وَمِنْ جَهَالَاتِهِمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ! سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ! وَأَنَّهُمْ - مِنْ ثَمَّ - لَهُمْ شَفَاعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ لَا تُرَدُّ ! وَالرَّاجِحُ أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ الْأَصْنَامِ كَانَتْ رُمُوزًا لِلْمَلَائِكَةِ ! كَمَا حَكَى قَوْلَهُمْ هَذَا فِي طَلَبِهِمْ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَلَكًا لِيُصَدِّقَهُ فِي دَعْوَاهُ . . وَقَدْ صَحَّحَ لَهُمُ الْقُرْآنُ ضَلَالَتَهُمُ الْأُولَى فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ شَتَّى . كَالَّذِي جَاءَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=24أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=25فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=26وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=27إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ، وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا .
كَمَا صَحَّحَ لَهُمْ ضَلَالَتَهُمُ الثَّانِيَةَ فِي تَصَوُّرِهِمْ لِطَبِيعَةِ الْمَلَائِكَةِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى كَثِيرَةٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وَقَالُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ! وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ . .
وَهَذَا جَانِبٌ مِنَ التَّعْرِيفِ بِهَذَا الْخَلْقِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ . . إِنَّهُمْ يَقْتَرِحُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مَلَكًا . وَلَكِنَّ سُنَّةَ اللَّهِ أَنْ يُنَزِّلَ الْمَلَائِكَةَ - حِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى قَوْمٍ كَذَّبُوا بِرَسُولِهِمْ - أَنْ يَنْزِلُوا لِلتَّدْمِيرِ عَلَيْهِمْ ، وَتَحْقِيقِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ بِالْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ . وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ
الْعَرَبِ فَأَنْزَلَ مَلَكًا ، لَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَتَمَّ التَّدْمِيرُ ، وَلَمْ يُنْظَرُوا إِلَى مُهْلَةٍ بَعْدَ هَذَا التَّنْزِيلِ ! فَهَلْ هَذَا مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَقْتَرِحُونَ ؟ وَهَلَّا يَسْتَشْعِرُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ فِي عَدَمِ إِجَابَتِهِمْ لِمَا يَقْتَرِحُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْهَلَاكِ الْمُبِينِ ؟ ! . . هَكَذَا يَقِفُهُمُ السِّيَاقُ وَجْهًا لِوَجْهٍ أَمَامَ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِمْ وَحِلْمِهِ عَلَيْهِمْ ; وَأَمَامَ جَهْلِهِمْ بِمَصْلَحَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَجَهْلِهِمْ بِسُنَّةِ اللَّهِ فِي تَنْزِيلِ الْمَلَائِكَةِ . . وَهُمْ بِهَذَا الْجَهْلِ الَّذِي يَكَادُ يُدَمِّرُ عَلَيْهِمْ حَيَاتَهُمْ ، يَرْفُضُونَ الْهُدَى وَيَرْفُضُونَ الرَّحْمَةَ وَيَتَعَنَّتُونَ فِي طَلَبِ الدَّلِيلِ ! وَالْجَانِبُ الثَّانِي مِنَ التَّعْرِيفِ بِهَذَا الْخَلْقِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَتَضَمَّنُهُ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ :
[ ص: 1042 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا، وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ . .
إِنَّهُمْ يَقْتَرِحُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مَلَكًا عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ . . وَلَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ خَلْقٌ آخَرُ غَيْرُ الْخَلْقِ الْإِنْسَانِيِّ . خَلْقٌ ذُو طَبِيعَةٍ خَاصَّةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ . وَهُمْ - كَمَا يَقُولُ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا عِلْمَ لَنَا بِهِمْ إِلَّا مِمَّا يَقُولُهُ عَنْهُمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ - لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَمْشُوا فِي الْأَرْضِ بِهَيْئَتِهِمُ الَّتِي خَلَقَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ سُكَّانِ هَذَا الْكَوْكَبِ ; وَلَكِنْ لَهُمْ - مَعَ ذَلِكَ - مِنَ الْخَصَائِصِ مَا يَجْعَلُهُمْ يَتَّخِذُونَ هَيْئَةَ الْبَشَرِ حِينَ يُؤَدُّونَ وَظِيفَةً مِنْ وَظَائِفِهِمْ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِ ; كَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ; أَوِ التَّدْمِيرِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُدَمِّرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ ; أَوْ تَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَوْ قِتَالِ أَعْدَائِهِمْ وَقَتْلِهِمْ . . إِلَى آخِرِ الْوَظَائِفِ الَّتِي يَقُصُّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ بِهَا مِنْ رَبِّهِمْ ، فَلَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُرْسِلَ مَلَكًا يُصَدِّقُ رَسُولَهُ ، لَتَبَدَّى لِلنَّاسِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ - لَا فِي صُورَتِهِ الْمَلَائِكِيَّةِ - وَعِنْدَئِذٍ يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ مَرَّةً أُخْرَى ! وَإِذَا كَانُوا يُلْبِسُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْحَقِيقَةَ
وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُمْ : أَنَا
مُحَمَّدٌ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ أَرْسَلَنِي اللَّهُ إِلَيْكُمْ لِأُنْذِرَكُمْ وَأُبَشِّرَكُمْ . . فَكَيْفَ يَكُونُ اللَّبْسُ إِذَا جَاءَهُمْ مَلَكٌ - فِي صُورَةِ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُونَهُ - يَقُولُ لَهُمْ : أَنَا مَلَكٌ أَرْسَلَنِي اللَّهُ لِأُصَدِّقَ رَسُولَهُ . . بَيْنَمَا هُمْ يَرَوْنَهُ رَجُلًا كَأَيٍّ مِنْهُمْ ؟ ! إِنَّهُمْ يُلْبِسُونَ الْحَقِيقَةَ الْبَسِيطَةَ . فَلَوْ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلَكًا لَجَعَلَهُ رَجُلًا وَلَلَبَّسَ عَلَيْهِمُ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يُلْبِسُونَهَا ; وَلَمَا اهْتَدَوْا قَطُّ إِلَى يَقِينٍ !
وَهَكَذَا يَكْشِفُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - جَهْلَهُمْ بِطَبِيعَةِ خَلَائِقِهِ ، كَمَا كَشَفَ لَهُمْ جَهْلَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ سُنَّتِهِ . . وَذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى كَشْفِ تَعَنُّتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ بِلَا مُبَرِّرٍ ، وَبِلَا مَعْرِفَةٍ ، وَبِلَا دَلِيلٍ !
وَالْحَقِيقَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي يُثِيرُهَا النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ فِي الْفِكْرِ : هِيَ طَبِيعَةُ التَّصَوُّرِ الْإِسْلَامِيِّ وَمُقَوِّمَاتُ هَذَا التَّصَوُّرِ - وَمِنْ بَيْنِهَا تِلْكَ الْعَوَالِمُ الظَّاهِرَةُ وَالْمُغَيَّبَةُ الَّتِي عَلَّمَ الْإِسْلَامُ الْمُسْلِمَ أَنْ يُدْرِكَهَا أَوَّلًا ، وَأَنْ يَتَعَامَلَ مَعَهَا أَخِيرًا - وَمِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ الْمُغَيَّبَةِ عَالَمُ الْمَلَائِكَةِ . . وَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ الْإِيمَانَ بِهَا مُقَوِّمًا مِنْ مُقَوِّمَاتِ الْإِيمَانِ ، لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ . . الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ . .
وَقَدْ سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الظِّلَالِ وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ مَطْلَعِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ : مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29692الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ نَقْلَةٌ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ ضَخْمَةٌ ; لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ دَائِرَةِ الْمَحْسُوسِ الضَّيِّقَةِ إِلَى إِدْرَاكِ أَنَّ هُنَاكَ غَيْبًا مَجْهُولًا يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَيُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ ، هُوَ - بِلَا شَكٍّ - نَقْلَةٌ مِنْ دَائِرَةِ الْحِسِّ الْحَيَوَانِيِّ إِلَى مَجَالِ الْإِدْرَاكِ الْإِنْسَانِيِّ . وَأَنَّ إِغْلَاقَ هَذَا الْمَجَالِ دُونَ الْإِدْرَاكِ الْإِنْسَانِيِّ نَكْسَةٌ بِهِ إِلَى الْوَرَاءِ ; وَهُوَ مَا تُحَاوِلُهُ الْمَذَاهِبُ الْمَادِّيَّةُ الْحِسِّيَّةُ ; وَتَدْعُوهُ "تَقَدُّمِيَّةً " ! وَسَنَتَحَدَّثُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ عَنِ "الْغَيْبِ " عِنْدَمَا نُوَاجِهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ . . فَنُقْصِرُ الْحَدِيثَ هُنَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ ، مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ .
لَقَدْ تَضَمَّنَ التَّصَوُّرُ الْإِسْلَامِيُّ عَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ ، أَنَّ هُنَاكَ خَلْقًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ اسْمُهُمُ الْمَلَائِكَةُ . وَأَخْبَرَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَنْ قَدْرٍ مِنْ صِفَاتِهِمْ ، يَكْفِي لِهَذَا التَّصَوُّرِ ، وَيَكْفِي لِلتَّعَامُلِ مَعَهُمْ فِي حُدُودِهِ .
فَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ ، يَدِينُ لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ ، وَبِالطَّاعَةِ الْمُطْلَقَةِ ; وَهُمْ قَرِيبُونَ مِنَ اللَّهِ - لَا نَدْرِي كَيْفَ وَلَا نَدْرِي نَوْعَ الْقُرْبِ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيدِ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=26وَقَالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا. سُبْحَانَهُ! بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
..
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=19وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=20يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ . .
وَهُمْ يَحْمِلُونَ عَرْشَ الرَّحْمَنِ ، وَيَحِفُّونَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ - لَا نَدْرِي كَيْفَ ! فَلَيْسَ لَنَا مِنْ عِلْمٍ إِلَّا بِقَدْرِ
[ ص: 1043 ] مَا كَشَفَ اللَّهُ لَنَا مِنْ هَذَا الْغَيْبِ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ... ..
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . .
وَهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ وَخَزَنَةُ النَّارِ ، يَسْتَقْبِلُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ وَالدُّعَاءِ ، وَيَسْتَقْبِلُونَ أَهْلَ النَّارِ بِالتَّأْنِيبِ وَالْوَعِيدِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا، حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى! وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=72قِيلَ: ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا، حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً . .
وَهُمْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي صُوَرٍ شَتَّى :
فَهُمْ يَقُومُونَ عَلَيْهِمْ حَفَظَةً بِأَمْرِ اللَّهِ ; يُتَابِعُونَهُمْ وَيُسَجِّلُونَ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ; وَيَتَوَفَّوْنَهُمْ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ.. مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.. ..
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ . .
وَهُمْ يُبَلِّغُونَ الْوَحْيَ إِلَى الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ . . وَقَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْوَظِيفَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ: أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ . . وَوَصْفُهُ - سُبْحَانَهُ - بِأَنَّهُ ذُو مِرَّةٍ (أَيْ قُوَّةٍ ) وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْمَلَائِكِيَّةِ مَرَّتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ، بَيْنَمَا جَاءَهُ فِي صُوَرٍ شَتَّى فِي مَرَّاتِ الْوَحْيِ التَّالِيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=12أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=14عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=15عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ... . .
وَهُمْ يَتَنَزَّلُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّثْبِيتِ وَالْمَدَدِ وَالتَّأْيِيدِ فِي مَعْرَكَتِهِمُ الْكُبْرَى مَعَ الْبَاطِلِ وَالطَّاغُوتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=124إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.. ..
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ: أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . .
وَهُمْ مَشْغُولُونَ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، يُسَبِّحُونَ رَبَّهُمْ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَيَدْعُونَ رَبَّهُمْ لَهُمْ دُعَاءَ الْمُحِبِّ الْمُشْفِقِ الْمَشْغُولِ بِشَأْنِ مَنْ يُحِبُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ، وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ، وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . .
[ ص: 1044 ] وَهُمْ كَذَلِكَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ عِنْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ ، وَيَسْتَقْبِلُونَهُمْ بِالْبُشْرَى فِي الْآخِرَةِ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَنَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ، يَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23 .. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . .
وَهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ بِالتَّأْنِيبِ وَالْوَعِيدِ - كَمَا سَبَقَ - وَيُقَاتِلُونَهُمْ فِي مَعَارِكِ الْحَقِّ كَذَلِكَ . وَكَذَلِكَ هُمْ يَسْتَلُّونَ أَرْوَاحَهُمْ فِي تَعْذِيبٍ وَتَأْنِيبٍ وَمَهَانَةٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=27فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ! . .
وَلَقَدْ كَانَ لَهُمْ شَأْنٌ مَعَ الْبَشَرِ مُنْذُ نَشْأَةِ أَبِيهِمْ
آدَمَ ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الصِّلَةَ امْتَدَّتْ فِي طُولِ الْحَيَاةِ وَعَرْضِهَا حَتَّى مَجَالِ الْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقْتَطَفَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ السَّابِقَةِ . وَشَأْنُ الْمَلَائِكَةِ مَعَ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ يَرِدُ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى ، كَالَّذِي جَاءَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً. قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32قَالُوا: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33قَالَ: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ: اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.. . .
فَهَذَا الْمَجَالُ الْفَسِيحُ الَّذِي تَتَّصِلُ فِيهِ حَيَاةُ الْبَشَرِ بِهَذَا الْمَلَأِ الْأَعْلَى ، هُوَ فُسْحَةٌ فِي التَّصَوُّرِ ، وَفُسْحَةٌ فِي إِدْرَاكِ حَقَائِقِ هَذَا الْوُجُودِ ، وَفُسْحَةٌ فِي الشُّعُورِ ، وَفُسْحَةٌ فِي الْحَرَكَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ ، يُتِيحُهَا التَّصَوُّرُ الْإِسْلَامِيُّ لِلْمُسْلِمِ ; وَالْقُرْآنُ يَعْرِضُ عَلَيْهِ هَذَا الْمَجَالَ الْفَسِيحَ ، وَعَالَمَ الْغَيْبِ الْمُتَّصِلَ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ عَالَمِ الشُّهُودِ .
وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُغْلِقُوا عَلَى "الْإِنْسَانِ " هَذَا الْمَجَالَ . . وَمَجَالَ عَالَمِ الْغَيْبِ كُلَّهُ . . إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ أَقْبَحَ الشَّرِّ . . يُرِيدُونَ أَنْ يُغْلِقُوا عَالَمَهُ عَلَى مَدَى الْحِسِّ الْقَرِيبِ الْمَحْدُودِ ; وَيُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَزُجُّوا بِهِ فِي عَالَمِ الْبَهَائِمِ ; وَقَدْ كَرَّمَهُ اللَّهُ بِقُوَّةِ التَّصَوُّرِ ; الَّتِي يَمْلِكُ بِهَا أَنْ يُدْرِكَ مَا لَا تُدْرِكُهُ الْبَهَائِمُ ; وَأَنْ يَعِيشَ فِي بُحْبُوحَةٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ ، وَبُحْبُوحَةٍ مِنَ الشُّعُورِ ! وَأَنْ يَنْطَلِقَ بِعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْعَالَمِ ; وَأَنْ يَتَطَهَّرَ وَهُوَ يَرِفُّ بِكِيَانِهِ كُلِّهِ فِي مِثْلِ هَذَا النُّورِ !
وَالْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ - عَلَى كُلِّ مَا فِي هَذِهِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ خَطَأٍ فِي التَّصَوُّرِ - كَانُوا (مِنْ هَذَا الْجَانِبِ ) أَرْقَى مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ (الْعِلْمِيَّةِ ! ) الْحَدِيثَةِ ; الَّذِينَ يَسْخَرُونَ مِنَ الْغَيْبِ كُلِّهِ ! وَيَعُدُّونَ الْإِيمَانَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعَوَالِمِ الْغَيْبِيَّةِ سَذَاجَةً غَيْرَ عِلْمِيَّةٍ ! وَيَضَعُونَ "الْغَيْبِيَّةَ " فِي كِفَّةٍ ، وَ "الْعِلْمِيَّةَ " فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى ! وَسَنُنَاقِشُ عِنْدَ مُوَاجَهَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي لَا سَنَدَ لَهَا مِنَ الْعِلْمِ ، كَمَا أَنَّهُ لَا سَنَدَ لَهَا مِنَ الدِّينِ . أَمَّا هُنَا فَنَكْتَفِي بِكَلِمَةٍ مُخْتَصَرَةٍ عَنْ شَأْنِ الْمَلَائِكَةِ .
وَنَسْأَلُ : مَاذَا عِنْدَ أَدْعِيَاءِ الْعَقْلِيَّةِ "الْعِلْمِيَّةِ " ، مِنْ عِلْمِهِمْ ذَاتِهِ ، يُحَتِّمُ عَلَيْهِمْ نَفْيَ هَذَا الْخَلْقِ الْمُسَمَّى بِالْمَلَائِكَةِ ، وَإِبْعَادَهُ عَنْ دَائِرَةِ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ ؟ مَاذَا لَدَيْهِمْ مِنْ عِلْمٍ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ؟
إِنَّ عِلْمَهُمْ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْفِيَ وُجُودَ حَيَاةٍ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ غَيْرَ الْحَيَاةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأَرْضِ فِي أَجْرَامٍ أُخْرَى ، يَخْتَلِفُ تَرْكِيبُ جَوِّهَا وَتَخْتَلِفُ طَبِيعَتُهَا وَظُرُوفُهَا عَنْ جَوِّ الْأَرْضِ وَظُرُوفِهَا . . فَلِمَاذَا يَجْزِمُونَ بِنَفْيِ هَذِهِ الْعَوَالِمِ ، وَهُمْ
[ ص: 1045 ] لَا يَمْلِكُونَ دَلِيلًا وَاحِدًا عَلَى نَفْيِ وَجُودِهَا ؟
إِنَّنَا لَا نُحَاكِمُهُمْ إِلَى عَقِيدَتِنَا ، وَلَا إِلَى قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ! إِنَّمَا نُحَاكِمُهُمْ إِلَى "عِلْمِهِمُ " الَّذِي يَتَّخِذُونَهُ إِلَهًا . . فَلَا نَجِدُ إِلَّا أَنَّ الْمُكَابَرَةَ وَحْدَهَا - مِنْ غَيْرِ أَيِّ دَلِيلٍ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ - هِيَ الَّتِي تَقُودُهُمْ إِلَى هَذَا الْإِنْكَارِ "غَيْرِ الْعِلْمِيِّ " ! أَلِمُجَرَّدِ أَنَّ هَذِهِ الْعَوَالِمَ غَيْبٌ ؟ لَقَدْ نَرَى حِينَ نُنَاقِشُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ أَنَّ الْغَيْبَ الَّذِي يُنْكِرُونَهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي يَجْزِمُ هَذَا "الْعِلْمُ " الْيَوْمَ بِوُجُودِهَا ; حَتَّى فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ الَّذِي تَلْمِسُهُ الْأَيْدِي وَتَرَاهُ الْعُيُونُ .