إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لأصحابه جديدة دائما كلما عاشوا في ظلاله ; وهم يخوضون معركة العقيدة ; ويتدبرون بوعي أحداث التاريخ ; ويطالعون بوعي أحداث الحاضر . ويرون بنور الله . الذي يكشف الحق ، وينير الطريق . .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته؟ إنه لا يفلح الظالمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=22ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=24انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون . .
هذا استطراد في مواجهة المشركين بحقيقة ما يزاولونه ، ووصف موقفهم وعملهم في تقدير الله سبحانه . . مواجهة تبدأ باستفهام تقريري لظلمهم بافتراء الكذب على الله ; وذلك فيما كانوا يدعونه من أنهم على دينه الذي جاء به
إبراهيم عليه السلام ; ومن زعمهم أن ما يحلونه وما يحرمونه من الأنعام والمطاعم والشعائر - كالذي سيجيء في آخر السورة مشفوعا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136بزعمهم - هو من أمر الله . . وليس من أمره .
وذلك كالذي يزعمه بعض من يدعون اليوم أنهم على دين الله الذي جاء به
محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقولون عن أنفسهم إنهم "مسلمون " ! وهو من الكذب المفترى على الله . ذلك أنهم يصدرون أحكاما وينشئون أوضاعا ، ويبتدعون قيما من عند أنفسهم يغتصبون فيها سلطان الله ويدعونه لأنفسهم ، ويزعمون أنها هي دين الله ; ويزعم لهم بعض من باعوا دينهم ليشتروا به مثوى في دركات الجحيم ، أنه هو دين الله ! . . وباستنكار تكذيبهم كذلك بآيات الله ، التي جاءهم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فردوها وعارضوها وجحدوها . وقالوا : إنها ليست من عند الله . بينما هم يزعمون أن ما يزاولونه في جاهليتهم هو الذي من عند الله ! وذلك كالذي يحدث من أهل الجاهلية اليوم . . حذوك النعل بالنعل . .
يواجههم باستنكار هذا كله ; ووصفه بأنه أظلم الظلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته! . .
[ ص: 1063 ] والظلم هنا كناية عن الشرك . في صورة التفظيع له والتقبيح . وهو التعبير الغالب في السياق القرآني عن الشرك . وذلك حين يريد أن يبشع الشرك وينفر منه . ذلك أن الشرك ظلم للحق ، وظلم للنفس ، وظلم للناس . هو اعتداء على حق الله - سبحانه - في أن يوحد ويعبد بلا شريك . واعتداء على النفس بإيرادها موارد الخسارة والبوار . واعتداء على الناس بتعبيدهم لغير ربهم الحق ، وإفساد حياتهم بالأحكام والأوضاع التي تقوم على أساس هذا الاعتداء . . ومن ثم فالشرك ظلم عظيم ، كما يقول عنه رب العالمين . ولن يفلح الشرك ولا المشركون :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21إنه لا يفلح الظالمون . .
والله - سبحانه - يقرر الحقيقة الكلية ; ويصف الحصيلة النهائية للشرك والمشركين - أو للظلم والظالمين - فلا عبرة بما تراه العيون القصيرة النظر ، في الأمد القريب ، فلاحا ونجاحا . . فهذا هو الاستدراج المؤدي إلى الخسار والبوار . . ومن أصدق من الله حديثا ؟ . .
وهنا يصور من عدم فلاحهم موقفهم يوم الحشر والحساب ، في هذا المشهد الحي الشاخص الموحي :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=22ويوم نحشرهم جميعا، ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=24انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون . .
إن الشرك ألوان ، والشركاء ألوان ، والمشركين ألوان . . وليست الصورة الساذجة التي تتراءى للناس اليوم حين يسمعون كلمة الشرك وكلمة الشركاء وكلمة المشركين : من أن هناك ناسا كانوا يعبدون أصناما أو أحجارا ، أو أشجارا ، أو نجوما ، أو نارا . . إلخ . . هي الصورة الوحيدة للشرك !
إن
nindex.php?page=treesubj&link=28674_28675الشرك في صميمه هو الاعتراف لغير الله - سبحانه - بإحدى خصائص الألوهية . . سواء كانت هي الاعتقاد بتسيير إرادته للأحداث ومقادير الكائنات . أو كانت هي التقدم لغير الله بالشعائر التعبدية والنذور وما إليها . أو كانت هي تلقي الشرائع من غير الله لتنظيم أوضاع الحياة . . كلها ألوان من الشرك ، يزاولها ألوان من المشركين ، يتخذون ألوانا من الشركاء !
والقرآن الكريم يعبر عن هذا كله بالشرك ; ويعرض مشاهد يوم القيامة تمثل هذه الألوان من الشرك والمشركين والشركاء ; ولا يقتصر على لون منها ، ولا يقصر وصف الشرك على واحد منها ; ولا يفرق في المصير والجزاء بين ألوان المشركين في الدنيا وفي الآخرة سواء . .
ولقد كان
العرب يزاولون هذه الألوان من الشرك جميعا :
كانوا يعتقدون أن هناك كائنات من خلق الله ، لها مشاركة - عن طريق الشفاعة الملزمة عند الله - في تسيير الأحداث والأقدار . كالملائكة . أو عن طريق قدرتها على الأذى - كالجن بذواتهم أو باستخدام الكهان والسحرة لهم - أو عن طريق هذه وتلك - كأرواح الآباء والأجداد - وكل أولئك كانوا يرمزون له بالأصنام التي تعمرها أرواح هذه الكائنات ; ويستنطقها الكهان ; فتحل لهم ما تحل ، وتحرم عليهم ما تحرم . . وإنما هم الكهان في الحقيقة . . هم الشركاء !
وكانوا يزاولون الشرك في تقديم الشعائر لهذه الأصنام ; وتقديم القربان لها والنذور - وفي الحقيقة للكهان - كما أن بعضهم - نقلا عن
الفرس - كانوا يعتقدون في الكواكب ومشاركتها في تسيير الأحداث - عن طريق المشاركة لله - ويتقدمون لها كذلك بالشعائر (ومن هنا علاقة الحلقة المذكورة في هذه السورة من قصة
إبراهيم عليه السلام بموضوع السورة كما سيأتي ) . .
[ ص: 1064 ] وكذلك كانوا يزاولون اللون الثالث من الشرك بإقامتهم لأنفسهم - عن طريق الكهان والشيوخ - شرائع وقيما وتقاليد ، لم يأذن بها الله . . وكانوا يدعون ما يدعيه بعض الناس اليوم من أن هذا هو شريعة الله !
إِنَّ أَسْرَارَ هَذَا الْقُرْآنِ سَتَظَلُّ تَتَكَشَّفُ لِأَصْحَابِهِ جَدِيدَةً دَائِمًا كُلَّمَا عَاشُوا فِي ظِلَالِهِ ; وَهُمْ يَخُوضُونَ مَعْرَكَةَ الْعَقِيدَةِ ; وَيَتَدَبَّرُونَ بِوَعْيٍ أَحْدَاثَ التَّارِيخِ ; وَيُطَالِعُونَ بِوَعْيٍ أَحْدَاثَ الْحَاضِرِ . وَيَرَوْنَ بِنُورِ اللَّهِ . الَّذِي يَكْشِفُ الْحَقَّ ، وَيُنِيرُ الطَّرِيقَ . .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ؟ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=22وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا: أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=24انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ . .
هَذَا اسْتِطْرَادٌ فِي مُوَاجَهَةِ الْمُشْرِكِينَ بِحَقِيقَةِ مَا يُزَاوِلُونَهُ ، وَوَصْفُ مَوْقِفِهِمْ وَعَمَلِهِمْ فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ . . مُوَاجَهَةٌ تَبْدَأُ بِاسْتِفْهَامٍ تَقْرِيرِيٍّ لِظُلْمِهِمْ بِافْتِرَاءِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ ; وَذَلِكَ فِيمَا كَانُوا يَدَّعُونَهُ مِنْ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; وَمِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّ مَا يُحِلُّونَهُ وَمَا يُحَرِّمُونَهُ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْمَطَاعِمِ وَالشَّعَائِرِ - كَالَّذِي سَيَجِيءُ فِي آخِرِ السُّورَةِ مَشْفُوعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136بِزَعْمِهِمْ - هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ . . وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ .
وَذَلِكَ كَالَّذِي يَزْعُمُهُ بَعْضُ مَنْ يَدَّعُونَ الْيَوْمَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إِنَّهُمْ "مُسْلِمُونَ " ! وَهُوَ مِنَ الْكَذِبِ الْمُفْتَرَى عَلَى اللَّهِ . ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُصْدِرُونَ أَحْكَامًا وَيُنْشِئُونَ أَوْضَاعًا ، وَيَبْتَدِعُونَ قِيَمًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ يَغْتَصِبُونَ فِيهَا سُلْطَانَ اللَّهِ وَيَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا هِيَ دِينُ اللَّهِ ; وَيَزْعُمُ لَهُمْ بَعْضُ مَنْ بَاعُوا دِينَهُمْ لِيَشْتَرُوا بِهِ مَثْوًى فِي دِرْكَاتِ الْجَحِيمِ ، أَنَّهُ هُوَ دِينُ اللَّهِ ! . . وَبِاسْتِنْكَارِ تَكْذِيبِهِمْ كَذَلِكَ بِآيَاتِ اللَّهِ ، الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدُّوهَا وَعَارَضُوهَا وَجَحَدُوهَا . وَقَالُوا : إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . بَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا يُزَاوِلُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ هُوَ الَّذِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ! وَذَلِكَ كَالَّذِي يَحْدُثُ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْيَوْمَ . . حَذْوُكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ . .
يُوَاجِهُهُمْ بِاسْتِنْكَارِ هَذَا كُلِّهِ ; وَوَصْفِهِ بِأَنَّهُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ! . .
[ ص: 1063 ] وَالظُّلْمُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الشِّرْكِ . فِي صُورَةِ التَّفْظِيعِ لَهُ وَالتَّقْبِيحِ . وَهُوَ التَّعْبِيرُ الْغَالِبُ فِي السِّيَاقِ الْقُرْآنِيِّ عَنِ الشِّرْكِ . وَذَلِكَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُبَشِّعَ الشِّرْكَ وَيُنَفِّرَ مِنْهُ . ذَلِكَ أَنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ لِلْحَقِّ ، وَظُلْمٌ لِلنَّفْسِ ، وَظُلْمٌ لِلنَّاسِ . هُوَ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فِي أَنْ يُوَحَّدَ وَيُعْبَدَ بِلَا شَرِيكٍ . وَاعْتِدَاءٌ عَلَى النَّفْسِ بِإِيرَادِهَا مَوَارِدَ الْخَسَارَةِ وَالْبَوَارِ . وَاعْتِدَاءٌ عَلَى النَّاسِ بِتَعْبِيدِهِمْ لِغَيْرِ رَبِّهِمُ الْحَقِّ ، وَإِفْسَادِ حَيَاتِهِمْ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَوْضَاعِ الَّتِي تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ هَذَا الِاعْتِدَاءِ . . وَمِنْ ثَمَّ فَالشِّرْكُ ظُلْمٌ عَظِيمٌ ، كَمَا يَقُولُ عَنْهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَلَنْ يُفْلِحَ الشِّرْكُ وَلَا الْمُشْرِكُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . .
وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُقَرِّرُ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ ; وَيَصِفُ الْحَصِيلَةَ النِّهَائِيَّةَ لِلشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ - أَوْ لِلظُّلْمِ وَالظَّالِمِينَ - فَلَا عِبْرَةَ بِمَا تَرَاهُ الْعُيُونُ الْقَصِيرَةُ النَّظَرِ ، فِي الْأَمَدِ الْقَرِيبِ ، فَلَاحًا وَنَجَاحًا . . فَهَذَا هُوَ الِاسْتِدْرَاجُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْخَسَارِ وَالْبَوَارِ . . وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ؟ . .
وَهُنَا يُصَوِّرُ مِنْ عَدَمِ فَلَاحِهِمْ مَوْقِفَهُمْ يَوْمَ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ ، فِي هَذَا الْمَشْهَدِ الْحَيِّ الشَّاخِصِ الْمُوحِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=22وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا: أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=24انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ . .
إِنَّ الشِّرْكَ أَلْوَانٌ ، وَالشُّرَكَاءُ أَلْوَانٌ ، وَالْمُشْرِكِينَ أَلْوَانٌ . . وَلَيْسَتِ الصُّورَةُ السَّاذَجَةُ الَّتِي تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ الْيَوْمَ حِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ الشِّرْكِ وَكَلِمَةَ الشُّرَكَاءِ وَكَلِمَةَ الْمُشْرِكِينَ : مِنْ أَنَّ هُنَاكَ نَاسًا كَانُوا يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا أَوْ أَحْجَارًا ، أَوْ أَشْجَارًا ، أَوْ نُجُومًا ، أَوْ نَارًا . . إِلَخْ . . هِيَ الصُّورَةُ الْوَحِيدَةُ لِلشِّرْكِ !
إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28674_28675الشِّرْكَ فِي صَمِيمِهِ هُوَ الِاعْتِرَافُ لِغَيْرِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - بِإِحْدَى خَصَائِصِ الْأُلُوهِيَّةِ . . سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ الِاعْتِقَادَ بِتَسْيِيرِ إِرَادَتِهِ لِلْأَحْدَاثِ وَمَقَادِيرِ الْكَائِنَاتِ . أَوْ كَانَتْ هِيَ التَّقَدُّمَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِالشَّعَائِرِ التَّعَبُّدِيَّةِ وَالنُّذُورِ وَمَا إِلَيْهَا . أَوْ كَانَتْ هِيَ تَلَقِّي الشَّرَائِعِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لِتَنْظِيمِ أَوْضَاعِ الْحَيَاةِ . . كُلُّهَا أَلْوَانٌ مِنَ الشِّرْكِ ، يُزَاوِلُهَا أَلْوَانٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، يَتَّخِذُونَ أَلْوَانًا مِنَ الشُّرَكَاءِ !
وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ يُعَبِّرُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ بِالشِّرْكِ ; وَيَعْرِضُ مَشَاهِدَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تُمَثِّلُ هَذِهِ الْأَلْوَانَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالشُّرَكَاءِ ; وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى لَوْنٍ مِنْهَا ، وَلَا يُقْصِرُ وَصْفَ الشِّرْكِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ; وَلَا يُفَرِّقُ فِي الْمَصِيرِ وَالْجَزَاءِ بَيْنَ أَلْوَانِ الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ سَوَاءٌ . .
وَلَقَدْ كَانَ
الْعَرَبُ يُزَاوِلُونَ هَذِهِ الْأَلْوَانَ مِنَ الشِّرْكِ جَمِيعًا :
كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ هُنَاكَ كَائِنَاتٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ ، لَهَا مُشَارَكَةٌ - عَنْ طَرِيقِ الشَّفَاعَةِ الْمُلْزِمَةِ عِنْدَ اللَّهِ - فِي تَسْيِيرِ الْأَحْدَاثِ وَالْأَقْدَارِ . كَالْمَلَائِكَةِ . أَوْ عَنْ طَرِيقِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْأَذَى - كَالْجِنِّ بِذَوَاتِهِمْ أَوْ بِاسْتِخْدَامِ الْكُهَّانِ وَالسَّحَرَةِ لَهُمْ - أَوْ عَنْ طَرِيقِ هَذِهِ وَتِلْكَ - كَأَرْوَاحِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ - وَكُلُّ أُولَئِكَ كَانُوا يَرْمُزُونَ لَهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْمُرُهَا أَرْوَاحُ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ ; وَيَسْتَنْطِقُهَا الْكُهَّانُ ; فَتُحِلُّ لَهُمْ مَا تُحِلُّ ، وَتُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا تُحَرِّمُ . . وَإِنَّمَا هُمُ الْكُهَّانُ فِي الْحَقِيقَةِ . . هُمُ الشُّرَكَاءُ !
وَكَانُوا يُزَاوِلُونَ الشِّرْكَ فِي تَقْدِيمِ الشَّعَائِرِ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ ; وَتَقْدِيمِ الْقُرْبَانِ لَهَا وَالنُّذُورِ - وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلْكُهَّانِ - كَمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ - نَقْلًا عَنِ
الْفُرْسِ - كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْكَوَاكِبِ وَمُشَارَكَتِهَا فِي تَسْيِيرِ الْأَحْدَاثِ - عَنْ طَرِيقِ الْمُشَارَكَةِ لِلَّهِ - وَيَتَقَدَّمُونَ لَهَا كَذَلِكَ بِالشَّعَائِرِ (وَمِنْ هُنَا عَلَاقَةُ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قِصَّةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَوْضُوعِ السُّورَةِ كَمَا سَيَأْتِي ) . .
[ ص: 1064 ] وَكَذَلِكَ كَانُوا يُزَاوِلُونَ اللَّوْنَ الثَّالِثَ مِنَ الشِّرْكِ بِإِقَامَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ - عَنْ طَرِيقِ الْكُهَّانِ وَالشُّيُوخِ - شَرَائِعَ وَقِيَمًا وَتَقَالِيدَ ، لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ . . وَكَانُوا يَدَّعُونَ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ أَنَّ هَذَا هُوَ شَرِيعَةُ اللَّهِ !