nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=30549_29468_29674_28749_30525_29494_32409_32026_30295_30296_28977قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون [ ص: 1086 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون
هنا - في هذه الموجة - يواجه السياق القرآني فطرة المشركين ببأس الله . بل يواجههم بفطرتهم ذاتها حين تواجه بأس الله . . حين تتعرى من الركام في مواجهة الهول ، وحين يهزها الهول فيتساقط عنها ذلك الركام ! وتنسى حكاية الآلهة الزائفة ; وتتجه من فورها إلى ربها الذي تعرفه في قرارتها تسأله وحده الخلاص والنجاة ! ثم يأخذ بأيديهم ليوقفهم على مصارع الغابرين من أسلافهم ، وفي الطريق يريهم كيف تجري سنة الله ، وكيف يعمل قدر الله . ويكشف لأبصارهم وبصائرهم عن استدراج الله لهم ، بعد تكذيبهم برسل الله ، وكيف قدم لهم الابتلاء بعد الابتلاء - الابتلاء بالبأساء والضراء ، ثم الابتلاء بالرخاء والنعماء - وأتاح لهم الفرصة بعد الفرصة ، لينتبهوا من الغفلة ، حتى إذا استنفدوا الفرص كلها ، وغرتهم النعمة بعد أن لم توقظهم الشدة ، جرى قدر الله ، وفق سنته الجارية وجاءهم العذاب بغتة :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .
وما يكاد هذا المشهد الذي يهز القلوب هزا يتوارى ، حتى يجيء في أعقابه مشهد آخر وهم يتعرضون لبأس الله أيضا ، فيأخذ سمعهم وأبصارهم ، ويختم على قلوبهم ، ثم لا يجدون إلها غير الله يرد عليهم سمعهم وأبصارهم وإدراكهم .
وفي مواجهة هذين المشهدين الرائعين الهائلين يتحدث إليهم عن وظيفة الرسل . . إنها البشارة والنذارة . . ليس وراء ذلك شيء . . ليس لهم أن يأتوا بالخوارق ، ولا أن يستجيبوا لمقترحات المقترحين ! إنما هم يبلغون . يبشرون وينذرون . ثم يؤمن فريق من الناس ويعمل صالحا فيأمن الخوف وينجو من الحزن . ويكذب فريق ويعرض فيمسه العذاب بهذا الإعراض والتكذيب . فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر . . فهذا هو المصير . .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قل: أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة، أغير الله تدعون - إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون، فيكشف ما تدعون إليه - إن شاء - وتنسون ما تشركون . .
هذا طرف من وسائل المنهج الرباني في خطاب الفطرة الإنسانية بهذه العقيدة يضم إلى ذلك الطرف الذي سبق بيانه في الفقرة السابقة وفيما قبلها وما بعدها كذلك في سياق السورة .
لقد خاطبها هناك بما في عوالم الأحياء من آثار التدبير الإلهي والتنظيم ; وبما في علم الله من إحاطة وشمول . وهو هنا يخاطبها ببأس الله ; وبموقف الفطرة إزاءه حين يواجهها في صورة من صوره الهائلة ، التي تهز القلوب ، فيتساقط عنها ركام الشرك ; وتتعرى فطرتها من هذا الركام الذي يحجب عنها ما هو مستقر في أعماقها من معرفتها بربها ، ومن توحيدها له أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قل: أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة.. أغير الله تدعون.. إن كنتم صادقين . .
إنها مواجهة الفطرة بتصور الهول . . عذاب الله في الدنيا عذاب الهلاك والدمار ; أو مجيء الساعة على غير انتظار . . والفطرة حين تلمس هذه اللمسة ; وتتصور هذا الهول تدرك - ويعلم الله سبحانه أنها تدرك -
[ ص: 1087 ] حقيقة هذا التصور ، وتهتز له ; لأنه يمثل حقيقة كامنة فيها ، يعلم بارئها سبحانه أنها كامنة فيها ويخاطبها بها على سبيل التصور فتهتز لها وترتجف وتتعرى !
وهو يسألهم ويطلب إليهم الجواب بالصدق من ألسنتهم ; ليكون تعبيرا عن الصدق في فطرتهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40أغير الله تدعون.. إن كنتم صادقين .
ثم يبادر فيقرر الجواب الصادق ، المطابق لما في فطرتهم بالفعل ، ولو لم تنطق به ألسنتهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون.. فيكشف ما تدعون إليه إن شاء.. وتنسون ما تشركون .
بل تدعونه وحده ; وتنسون شرككم كله ! . . إن الهول يعري فطرتكم - حينئذ - فتتجه بطلب النجاة إلى الله وحده . وتنسى أنها أشركت به أحدا . بل تنسى هذا الشرك ذاته . . إن معرفتها بربها هي الحقيقة المستقرة فيها ; فأما هذا الشرك فهو قشرة سطحية طارئة عليها ، بفعل عوامل أخرى . قشرة سطحية في الركام الذي ران عليها . فإذا هزها الهول تساقط هذا الركام ، وتطايرت هذه القشرة ، وتكشفت الحقيقة الأصيلة ، وتحركت الفطرة حركتها الفطرية نحو بارئها ، ترجوه أن يكشف عنها الهول الذي لا يد لها به ، ولا حيلة لها فيه . .
هذا شأن الفطرة في مواجهة الهول ; يواجه السياق القرآني به المشركين . . فأما شأن الله - سبحانه - فيقرره في ثنايا المواجهة . فهو يكشف ما يدعونه إليه - إن شاء - فمشيئته طليقة ، لا يرد عليها قيد . فإذا شاء استجاب لهم فكشف عنهم ما يدعون كله أو بعضه وإن شاء لم يستجب ، وفق تقديره وحكمته وعلمه .
هذا هو موقف الفطرة من الشرك الذي تزاوله أحيانا ، بسبب ما يطرأ عليها من الانحراف ، نتيجة عوامل شتى ، تغطي على نصاعة الحقيقة الكامنة فيها . . حقيقة اتجاهها إلى ربها ومعرفتها بوحدانيته . . فما هو موقفها من الإلحاد وإنكار وجود الله أصلا ؟
نحن نشك شكا عميقا - كما قلنا من قبل - في أن أولئك الذين يمارسون الإلحاد في صورته هذه صادقون فيما يزعمون أنهم يعتقدونه . نحن نشك في أن هناك خلقا أنشأته يد الله ، ثم يبلغ به الأمر حقيقة أن ينطمس فيه تماما طابع اليد التي أنشأته ; وفي صميم كينونته هذا الطابع ، مختلطا بتكوينه متمثلا في كل خلية وفي كل ذرة !
إنما هو التاريخ الطويل من العذاب البشع ، ومن الصراع الوحشي مع الكنيسة ، ومن الكبت والقمع ، ومن أنكار الكنيسة للدوافع الفطرية للناس مع استغراقها هي في اللذائذ المنحرفة . . إلى آخر هذا التاريخ النكد الذي عاشته
أوربا قرونا طويلة . . هو الذي دفع الأوربيين في هذه الموجة من الإلحاد في النهاية . . فرارا في التيه ، من الغول الكريه .
ذلك إلى استغلال اليهود لهذا الواقع التاريخي ; ودفع النصارى بعيدا عن دينهم ; ليسلس لهم قيادهم ، ويسهل عليهم إشاعة الانحلال والشقاء فيهم ، وليتيسر لهم استخدامهم - كالحمير - على حد تعبير "التلمود " و "بروتوكولات حكماء صهيون " . . وما كان اليهود ليبلغوا من هذا كله شيئا إلا باستغلال ذلك التاريخ الأوربي النكد ، لدفع الناس إلى الإلحاد هربا من الكنيسة .
ومع كل هذا الجهد الناصب ، المتمثل في محاولة "الشيوعية " - وهي إحدى المنظمات اليهودية - لنشر الإلحاد ، خلال أكثر من نصف قرن ، بمعرفة كل أجهزة الدولة الساحقة ، فإن الشعب الروسي نفسه لم يزل
[ ص: 1088 ] في أعماق فطرته الحنين إلى عقيدة في الله . . ولقد اضطر
ستالين الوحشي - كما يصوره خلفه
خروشوف ! - أن يهادن الكنيسة ، في أثناء الحرب العالمية الثانية ، وأن يفرج عن كبير الأساقفة ، لأن ضغط الحرب كان يلوي عنقه للاعتراف للعقيدة في الله بأصالتها في فطرة الناس . . مهما يكن رأيه ورأي القليلين من الملحدين من ذوي السلطان حوله .
ولقد حاول اليهود - بمساعدة "الحمير" الذين يستخدمونهم من الصليبيين - أن ينشروا موجة من الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها ودينا . ومع أن الإسلام كان قد بهت وذبل في هذه النفوس . . فإن الموجة التي أطلقوها عن طريق "البطل "
أتاتورك في
تركيا . . انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها - وللبطل - من التمجيد والمساعدة . وعلى كل ما ألفوه من الكتب عن البطل والتجربة الرائدة التي قام بها . .
ومن ثم استداروا في التجارب الجديدة يستفيدون من تجربة
أتاتورك ، ألا يرفعوا على التجارب الرائدة راية الإلحاد . إنما يرفعون عليها راية الإسلام . كي لا تصدم الفطرة ، كما صدمتها تجربة
أتاتورك . ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي ، ومن أجهزة التدمير للخامة البشرية بجملتها في الرقعة الإسلامية .
غير أن العبرة التي تبقى من وراء ذلك كله ، هي أن الفطرة تعرف ربها جيدا ، وتدين له بالوحدانية ، فإذا غشي عليها الركام فترة ، فإنها إذا هزها الهول تساقط عنها ذلك الركام كله وتعرت منه جملة ، وعادت إلى بارئها كما خلقها أول مرة . . مؤمنة طائعة خاشعة . . أما ذلك الكيد كله فحسبه صيحة حق تزلزل قوائمه ، وترد الفطرة إلى بارئها سبحانه . ولن يذهب الباطل ناجيا ، وفي الأرض من يطلق هذه الصيحة . ولن يخلو وجه الأرض مهما جهدوا ممن يطلق هذه الصيحة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=30549_29468_29674_28749_30525_29494_32409_32026_30295_30296_28977قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهُ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [ ص: 1086 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=48وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
هُنَا - فِي هَذِهِ الْمَوْجَةِ - يُوَاجِهُ السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ فِطْرَةَ الْمُشْرِكِينَ بِبَأْسِ اللَّهِ . بَلْ يُوَاجِهُهُمْ بِفِطْرَتِهِمْ ذَاتِهَا حِينَ تُوَاجِهُ بَأْسَ اللَّهِ . . حِينَ تَتَعَرَّى مِنَ الرُّكَامِ فِي مُوَاجَهَةِ الْهَوْلِ ، وَحِينَ يَهُزُّهَا الْهَوْلُ فَيَتَسَاقَطُ عَنْهَا ذَلِكَ الرُّكَامُ ! وَتَنْسَى حِكَايَةَ الْآلِهَةِ الزَّائِفَةِ ; وَتَتَّجِهُ مِنْ فَوْرِهَا إِلَى رَبِّهَا الَّذِي تَعْرِفُهُ فِي قِرَارَتِهَا تَسْأَلُهُ وَحْدَهُ الْخَلَاصَ وَالنَّجَاةَ ! ثُمَّ يَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى مَصَارِعِ الْغَابِرِينَ مِنْ أَسْلَافِهِمْ ، وَفِي الطَّرِيقِ يُرِيهِمْ كَيْفَ تَجْرِي سُنَّةُ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَعْمَلُ قَدَرُ اللَّهِ . وَيَكْشِفُ لِأَبْصَارِهِمْ وَبَصَائِرِهِمْ عَنِ اسْتِدْرَاجِ اللَّهِ لَهُمْ ، بَعْدَ تَكْذِيبِهِمْ بِرُسُلِ اللَّهِ ، وَكَيْفَ قَدَّمَ لَهُمُ الِابْتِلَاءَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ - الِابْتِلَاءَ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، ثُمَّ الِابْتِلَاءَ بِالرَّخَاءِ وَالنَّعْمَاءِ - وَأَتَاحَ لَهُمُ الْفُرْصَةَ بَعْدَ الْفُرْصَةِ ، لِيَنْتَبِهُوا مِنَ الْغَفْلَةِ ، حَتَّى إِذَا اسْتَنْفَدُوا الْفُرَصَ كُلَّهَا ، وَغَرَّتْهُمُ النِّعْمَةُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تُوقِظْهُمُ الشِّدَّةُ ، جَرَى قَدَرُ اللَّهِ ، وَفْقَ سُنَّتِهِ الْجَارِيَةِ وَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَمَا يَكَادُ هَذَا الْمَشْهَدُ الَّذِي يَهُزُّ الْقُلُوبَ هَزًّا يَتَوَارَى ، حَتَّى يَجِيءَ فِي أَعْقَابِهِ مَشْهَدٌ آخَرُ وَهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِبَأْسِ اللَّهِ أَيْضًا ، فَيَأْخُذُ سَمْعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ، وَيَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ لَا يَجِدُونَ إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ سَمْعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَإِدْرَاكَهُمْ .
وَفِي مُوَاجَهَةِ هَذَيْنَ الْمَشْهَدَيْنِ الرَّائِعَيْنِ الْهَائِلَيْنِ يَتَحَدَّثُ إِلَيْهِمْ عَنْ وَظِيفَةِ الرُّسُلِ . . إِنَّهَا الْبِشَارَةُ وَالنِّذَارَةُ . . لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ . . لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْخَوَارِقِ ، وَلَا أَنْ يَسْتَجِيبُوا لِمُقْتَرَحَاتِ الْمُقْتَرِحِينَ ! إِنَّمَا هُمْ يُبَلِّغُونَ . يُبَشِّرُونَ وَيُنْذِرُونَ . ثُمَّ يُؤْمِنُ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ وَيَعْمَلُ صَالِحًا فَيَأْمَنُ الْخَوْفَ وَيَنْجُو مِنَ الْحُزْنِ . وَيُكَذِّبُ فَرِيقٌ وَيُعْرِضُ فَيَمَسُّهُ الْعَذَابُ بِهَذَا الْإِعْرَاضِ وَالتَّكْذِيبِ . فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ . . فَهَذَا هُوَ الْمَصِيرُ . .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قُلْ: أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ، أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ - إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ، فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ - إِنْ شَاءَ - وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ . .
هَذَا طَرَفٌ مِنْ وَسَائِلِ الْمَنْهَجِ الرَّبَّانِيِّ فِي خِطَابِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِهَذِهِ الْعَقِيدَةِ يُضَمُّ إِلَى ذَلِكَ الطَّرَفِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ وَفِيمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا كَذَلِكَ فِي سِيَاقِ السُّورَةِ .
لَقَدْ خَاطَبَهَا هُنَاكَ بِمَا فِي عَوَالِمِ الْأَحْيَاءِ مِنْ آثَارِ التَّدْبِيرِ الْإِلَهِيِّ وَالتَّنْظِيمِ ; وَبِمَا فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ إِحَاطَةٍ وَشُمُولٍ . وَهُوَ هُنَا يُخَاطِبُهَا بِبَأْسِ اللَّهِ ; وَبِمَوْقِفِ الْفِطْرَةِ إِزَاءَهُ حِينَ يُوَاجِهُهَا فِي صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ الْهَائِلَةِ ، الَّتِي تَهُزُّ الْقُلُوبَ ، فَيَتَسَاقَطُ عَنْهَا رُكَامُ الشِّرْكِ ; وَتَتَعَرَّى فِطْرَتُهَا مِنْ هَذَا الرُّكَامِ الَّذِي يَحْجُبُ عَنْهَا مَا هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي أَعْمَاقِهَا مِنْ مَعْرِفَتِهَا بِرَبِّهَا ، وَمِنْ تَوْحِيدِهَا لَهُ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قُلْ: أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ.. أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ.. إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . .
إِنَّهَا مُوَاجَهَةُ الْفِطْرَةِ بِتَصَوُّرِ الْهَوْلِ . . عَذَابُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا عَذَابُ الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ ; أَوْ مَجِيءُ السَّاعَةِ عَلَى غَيْرِ انْتِظَارٍ . . وَالْفِطْرَةُ حِينَ تَلْمِسُ هَذِهِ اللَّمْسَةَ ; وَتَتَصَوَّرُ هَذَا الْهَوْلَ تُدْرِكُ - وَيَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا تُدْرِكُ -
[ ص: 1087 ] حَقِيقَةَ هَذَا التَّصَوُّرِ ، وَتَهْتَزُّ لَهُ ; لِأَنَّهُ يُمَثِّلُ حَقِيقَةً كَامِنَةً فِيهَا ، يَعْلَمُ بَارِئُهَا سُبْحَانَهُ أَنَّهَا كَامِنَةٌ فِيهَا وَيُخَاطِبُهَا بِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّصَوُّرِ فَتَهْتَزُّ لَهَا وَتَرْتَجِفُ وَتَتَعَرَّى !
وَهُوَ يَسْأَلُهُمْ وَيَطْلُبُ إِلَيْهِمُ الْجَوَابَ بِالصِّدْقِ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ ; لِيَكُونَ تَعْبِيرًا عَنِ الصِّدْقِ فِي فِطْرَتِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ.. إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
ثُمَّ يُبَادِرُ فَيُقَرِّرُ الْجَوَابَ الصَّادِقَ ، الْمُطَابِقَ لِمَا فِي فِطْرَتِهِمْ بِالْفِعْلِ ، وَلَوْ لَمْ تَنْطِقْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ.. فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ.. وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ .
بَلْ تَدْعُونَهُ وَحْدَهُ ; وَتَنْسَوْنَ شِرْكَكُمْ كُلَّهُ ! . . إِنَّ الْهَوْلَ يُعَرِّي فِطْرَتَكُمْ - حِينَئِذٍ - فَتَتَّجِهُ بِطَلَبِ النَّجَاةِ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ . وَتَنْسَى أَنَّهَا أَشْرَكَتْ بِهِ أَحَدًا . بَلْ تَنْسَى هَذَا الشِّرْكَ ذَاتَهُ . . إِنَّ مَعْرِفَتَهَا بِرَبِّهَا هِيَ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِيهَا ; فَأَمَّا هَذَا الشِّرْكُ فَهُوَ قِشْرَةٌ سَطْحِيَّةٌ طَارِئَةٌ عَلَيْهَا ، بِفِعْلِ عَوَامِلَ أُخْرَى . قِشْرَةٌ سَطْحِيَّةٌ فِي الرُّكَامِ الَّذِي رَانَ عَلَيْهَا . فَإِذَا هَزَّهَا الْهَوْلُ تَسَاقَطَ هَذَا الرُّكَامُ ، وَتَطَايَرَتْ هَذِهِ الْقِشْرَةُ ، وَتَكَشَّفَتِ الْحَقِيقَةُ الْأَصِيلَةُ ، وَتَحَرَّكَتِ الْفِطْرَةُ حَرَكَتَهَا الْفِطْرِيَّةَ نَحْوَ بَارِئِهَا ، تَرْجُوهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهَا الْهَوْلَ الَّذِي لَا يَدَ لَهَا بِهِ ، وَلَا حِيلَةَ لَهَا فِيهِ . .
هَذَا شَأْنُ الْفِطْرَةِ فِي مُوَاجَهَةِ الْهَوْلِ ; يُوَاجِهُ السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ بِهِ الْمُشْرِكِينَ . . فَأَمَّا شَأْنُ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فَيُقَرِّرُهُ فِي ثَنَايَا الْمُوَاجَهَةِ . فَهُوَ يَكْشِفُ مَا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ - إِنْ شَاءَ - فَمَشِيئَتُهُ طَلِيقَةٌ ، لَا يَرِدُ عَلَيْهَا قَيْدٌ . فَإِذَا شَاءَ اسْتَجَابَ لَهُمْ فَكَشَفَ عَنْهُمْ مَا يَدْعُونَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَسْتَجِبْ ، وَفْقَ تَقْدِيرِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ .
هَذَا هُوَ مَوْقِفُ الْفِطْرَةِ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي تُزَاوِلُهُ أَحْيَانًا ، بِسَبَبِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا مِنَ الِانْحِرَافِ ، نَتِيجَةَ عَوَامِلَ شَتَّى ، تُغَطِّي عَلَى نَصَاعَةِ الْحَقِيقَةِ الْكَامِنَةِ فِيهَا . . حَقِيقَةِ اتِّجَاهِهَا إِلَى رَبِّهَا وَمَعْرِفَتِهَا بِوَحْدَانِيَّتِهِ . . فَمَا هُوَ مَوْقِفُهَا مِنَ الْإِلْحَادِ وَإِنْكَارِ وُجُودِ اللَّهِ أَصْلًا ؟
نَحْنُ نَشُكُّ شَكًّا عَمِيقًا - كَمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ - فِي أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْإِلْحَادَ فِي صُورَتِهِ هَذِهِ صَادِقُونَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَهُ . نَحْنُ نَشُكُّ فِي أَنَّ هُنَاكَ خَلْقًا أَنْشَأَتْهُ يَدُ اللَّهِ ، ثُمَّ يَبْلُغُ بِهِ الْأَمْرُ حَقِيقَةً أَنْ يَنْطَمِسَ فِيهِ تَمَامًا طَابَعَ الْيَدِ الَّتِي أَنْشَأَتْهُ ; وَفِي صَمِيمِ كَيْنُونَتِهِ هَذَا الطَّابَعُ ، مُخْتَلِطًا بِتَكْوِينِهِ مُتَمَثِّلًا فِي كُلِّ خَلِيَّةٍ وَفِي كُلِّ ذَرَّةٍ !
إِنَّمَا هُوَ التَّارِيخُ الطَّوِيلُ مِنَ الْعَذَابِ الْبَشِعِ ، وَمِنَ الصِّرَاعِ الْوَحْشِيِّ مَعَ الْكَنِيسَةِ ، وَمِنَ الْكَبْتِ وَالْقَمْعِ ، وَمِنْ أَنْكَارِ الْكَنِيسَةِ لِلدَّوَافِعِ الْفِطْرِيَّةِ لِلنَّاسِ مَعَ اسْتِغْرَاقِهَا هِيَ فِي اللَّذَائِذِ الْمُنْحَرِفَةِ . . إِلَى آخِرِ هَذَا التَّارِيخِ النَّكِدِ الَّذِي عَاشَتْهُ
أُورُبَّا قُرُونًا طَوِيلَةً . . هُوَ الَّذِي دَفَعَ الْأُورُبِّيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَوْجَةِ مِنَ الْإِلْحَادِ فِي النِّهَايَةِ . . فَرَارًا فِي التِّيهِ ، مِنَ الْغُولِ الْكَرِيهِ .
ذَلِكَ إِلَى اسْتِغْلَالِ الْيَهُودِ لِهَذَا الْوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ ; وَدَفْعِ النَّصَارَى بَعِيدًا عَنْ دِينِهِمْ ; لِيَسْلُسَ لَهُمْ قِيَادُهُمْ ، وَيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ إِشَاعَةُ الِانْحِلَالِ وَالشَّقَاءِ فِيهِمْ ، وَلِيَتَيَسَّرَ لَهُمُ اسْتِخْدَامُهُمْ - كَالْحَمِيرِ - عَلَى حَدِّ تَعْبِيرِ "التَّلْمُودِ " وَ "بُرُوتُوكُولَاتِ حُكَمَاءِ صَهْيُونَ " . . وَمَا كَانَ الْيَهُودُ لِيَبْلُغُوا مِنْ هَذَا كُلِّهِ شَيْئًا إِلَّا بِاسْتِغْلَالِ ذَلِكَ التَّارِيخِ الْأُورُبِّيِّ النَّكِدِ ، لِدَفْعِ النَّاسِ إِلَى الْإِلْحَادِ هَرَبًا مِنَ الْكَنِيسَةِ .
وَمَعَ كُلِّ هَذَا الْجُهْدِ النَّاصِبِ ، الْمُتَمَثِّلِ فِي مُحَاوَلَةِ "الشُّيُوعِيَّةِ " - وَهِيَ إِحْدَى الْمُنَظَّمَاتِ الْيَهُودِيَّةِ - لِنَشْرِ الْإِلْحَادِ ، خِلَالَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ ، بِمَعْرِفَةِ كُلِّ أَجْهِزَةِ الدَّوْلَةِ السَّاحِقَةِ ، فَإِنَّ الشَّعْبَ الرُّوسِيَّ نَفْسَهُ لَمْ يَزَلْ
[ ص: 1088 ] فِي أَعْمَاقِ فِطْرَتِهِ الْحَنِينُ إِلَى عَقِيدَةٍ فِي اللَّهِ . . وَلَقَدِ اضْطُرَّ
سَتَالِينُ الْوَحْشِيُّ - كَمَا يُصَوِّرُهُ خَلَفُهُ
خُرُوشُوفُ ! - أَنْ يُهَادِنَ الْكَنِيسَةَ ، فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَنْ يُفْرِجَ عَنْ كَبِيرِ الْأَسَاقِفَةِ ، لِأَنَّ ضَغْطَ الْحَرْبِ كَانَ يَلْوِي عُنُقَهُ لِلِاعْتِرَافِ لِلْعَقِيدَةِ فِي اللَّهِ بِأَصَالَتِهَا فِي فِطْرَةِ النَّاسِ . . مَهْمَا يَكُنْ رَأْيُهُ وَرَأْيُ الْقَلِيلِينَ مِنَ الْمُلْحِدِينَ مِنْ ذَوِي السُّلْطَانِ حَوْلَهُ .
وَلَقَدْ حَاوَلَ الْيَهُودُ - بِمُسَاعَدَةِ "الْحَمِيرِ" الَّذِينَ يَسْتَخْدِمُونَهُمْ مِنَ الصَّلِيبِيِّينَ - أَنْ يَنْشُرُوا مَوْجَةً مِنَ الْإِلْحَادِ فِي نُفُوسِ الْأُمَمِ الَّتِي تُعْلِنُ الْإِسْلَامَ عَقِيدَةً لَهَا وَدِينًا . وَمَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ قَدْ بَهِتَ وَذَبُلَ فِي هَذِهِ النُّفُوسِ . . فَإِنَّ الْمَوْجَةَ الَّتِي أَطْلَقُوهَا عَنْ طَرِيقِ "الْبَطَلِ "
أَتَاتُورْكَ فِي
تُرْكِيَا . . انْحَسَرَتْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ مَا بَذَلُوهُ لَهَا - وَلِلْبَطَلِ - مِنَ التَّمْجِيدِ وَالْمُسَاعَدَةِ . وَعَلَى كُلِّ مَا أَلَّفُوهُ مِنَ الْكُتُبِ عَنِ الْبَطَلِ وَالتَّجْرِبَةِ الرَّائِدَةِ الَّتِي قَامَ بِهَا . .
وَمِنْ ثَمَّ اسْتَدَارُوا فِي التَّجَارِبِ الْجَدِيدَةِ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ تَجْرِبَةِ
أَتَاتُورْكَ ، أَلَّا يَرْفَعُوا عَلَى التَّجَارِبِ الرَّائِدَةِ رَايَةَ الْإِلْحَادِ . إِنَّمَا يَرْفَعُونَ عَلَيْهَا رَايَةَ الْإِسْلَامِ . كَيْ لَا تَصْدِمَ الْفِطْرَةَ ، كَمَا صَدَمَتْهَا تَجْرِبَةُ
أَتَاتُورْكَ . ثُمَّ يَجْعَلُونَ تَحْتَ هَذِهِ الرَّايَةِ مَا يُرِيدُونَ مِنَ الْمُسْتَنْقَعَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالِانْحِلَالِ الْخُلُقِيِّ ، وَمِنْ أَجْهِزَةِ التَّدْمِيرِ لِلْخَامَةِ الْبَشَرِيَّةِ بِجُمْلَتِهَا فِي الرُّقْعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ .
غَيْرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ الَّتِي تَبْقَى مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ ، هِيَ أَنَّ الْفِطْرَةَ تَعْرِفُ رَبَّهَا جَيِّدًا ، وَتَدِينُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، فَإِذَا غَشِيَ عَلَيْهَا الرُّكَامُ فَتْرَةً ، فَإِنَّهَا إِذَا هَزَّهَا الْهَوْلُ تَسَاقَطَ عَنْهَا ذَلِكَ الرُّكَامُ كُلُّهُ وَتَعَرَّتْ مِنْهُ جُمْلَةً ، وَعَادَتْ إِلَى بَارِئِهَا كَمَا خَلَقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ . . مُؤْمِنَةً طَائِعَةً خَاشِعَةً . . أَمَّا ذَلِكَ الْكَيْدُ كُلُّهُ فَحَسْبُهُ صَيْحَةُ حَقٍّ تُزَلْزِلُ قَوَائِمَهُ ، وَتَرُدُّ الْفِطْرَةَ إِلَى بَارِئِهَا سُبْحَانَهُ . وَلَنْ يَذْهَبَ الْبَاطِلُ نَاجِيًا ، وَفِي الْأَرْضِ مَنْ يُطْلِقُ هَذِهِ الصَّيْحَةَ . وَلَنْ يَخْلُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ مَهْمَا جَهِدُوا مِمَّنْ يُطْلِقُ هَذِهِ الصَّيْحَةَ .