الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم نمضي مع السياق، يضرب مثلا للحق والباطل، للدعوة الباقية والدعوة الذاهبة مع الريح، للخير الهادئ والشر المتنفج، والمثل المضروب هنا مظهر لقوة الله الواحد القهار.ولتدبير الخالق المدبر المقدر للأشياء، وهو من جنس المشاهد الطبيعية التي يمضي في جوها السياق.

                                                                                                                                                                                                                                      أنزل من السماء ماء، فسالت أودية بقدرها، فاحتمل السيل زبدا رابيا: ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله. كذلك يضرب الله الحق والباطل. فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. كذلك يضرب الله الأمثال ..

                                                                                                                                                                                                                                      وإنزال الماء من السماء حتى تسيل به الوديان يتناسق مع جو البرق والرعد والسحاب الثقال في المشهد السابق; ويؤلف جانبا من المشهد الكوني العام، الذي تجري في جوه قضايا السورة وموضوعاتها. وهو كذلك يشهد بقدرة الواحد القهار، وأن تسيل هذه الأودية بقدرها، كل بحسبه، وكل بمقدار طاقته ومقدار حاجته يشهد بتدبير الخالق وتقديره لكل شيء، وهي إحدى القضايا التي تعالجها السورة، وليس هذا أو ذلك بعد إلا إطارا للمثل الذي يريد الله ليضربه للناس من مشهود حياتهم الذي يمرون عليه دون انتباه.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية، وهو يلم في طريقه غثاء، فيطفو على وجهه في صورة الزبد [ ص: 2054 ] حتى ليحجب الزبد الماء في بعض الأحيان، هذا الزبد نافش راب منتفخ، ولكنه بعد غثاء، والماء من تحته سارب ساكن هادئ، ولكنه هو الماء الذي يحمل الخير والحياة، كذلك يقع في المعادن التي تذاب لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة، أو آنية أو آلة نافعة للحياة كالحديد والرصاص، فإن الخبث يطفو وقد يحجب المعدن الأصيل، ولكنه بعد خبث يذهب ويبقى المعدن في نقاء

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة، فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيا طافيا ولكنه بعد زبد أو خبث، ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحا لا حقيقة له ولا تماسك فيه، والحق يظل هادءا ساكنا، وربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات، ولكنه هو الباقي في الأرض كالماء المحيي والمعدن الصريح، ينفع الناس. كذلك يضرب الله الأمثال وكذلك يقرر مصائر الدعوات، ومصائر الاعتقادات، ومصائر الأعمال والأقوال، وهو الله الواحد القهار، المدبر للكون والحياة، العليم بالظاهر والباطن، والحق والباطل والباقي والزائل.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن استجاب لله فله الحسنى، والذين لم يستجيبوا له يلاقون من الهول ما يود أحدهم لو ملك ما في الأرض ومثله معه أن يفتدى به، وما هو بمفتد، إنما هو الحساب الذي يسوء، وإنما هي جهنم لهم مهاد، ويا لسوء المهاد!:

                                                                                                                                                                                                                                      للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم. وبئس المهاد ..

                                                                                                                                                                                                                                      ويتقابل الذين يستجيبون مع الذين لا يستجيبون، وتتقابل الحسنى مع سوء العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      ومع جهنم وبئس المهاد على منهج السورة كلها وطريقتها المطردة في الأداء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية