الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم نمضي مع السياق في تقرير المبادئ الإسلامية في مواجهة الأسئلة الاستفهامية:

                                                                                                                                                                                                                                      ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو. كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ..

                                                                                                                                                                                                                                      لقد سألوا مرة: ماذا ينفقون؟ فكان الجواب عن النوع والجهة. فأما هنا فجاء الجواب عن المقدار والدرجة.. والعفو: الفضل والزيادة. فكل ما زاد على النفقة الشخصية - في غير ترف ولا مخيلة - فهو محل للإنفاق. الأقرب فالأقرب. ثم الآخرون على ما أسلفنا.. والزكاة وحدها لا تجزئ فهذا النص لم تنسخه آية الزكاة ولم تخصصه فيما أرى: فالزكاة لا تبرئ الذمة إلا بإسقاط الفريضة. ويبقى التوجيه إلى الإنفاق قائما. إن الزكاة هي حق بيت مال المسلمين تجبيها الحكومة التي تنفذ شريعة الله، وتنفقها في مصارفها المعلومة، ولكن يبقى بعد ذلك واجب المسلم لله ولعباد الله. والزكاة قد لا تستغرق الفضل كله، والفضل كله محل للإنفاق بهذا النص الواضح ولقوله عليه الصلاة والسلام: في المال حق سوى الزكاة .. حق قد يؤديه صاحبه ابتغاء مرضاة الله - وهذا هو الأكمل والأجمل - فإن لم يفعل واحتاجت إليه الدولة المسلمة التي تنفذ شريعة الله، أخذته فأنفقته فيما يصلح الجماعة المسلمة. كي لا يضيع في الترف المفسد. أو يقبض عن التعامل ويخزن ويعطل.

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ..

                                                                                                                                                                                                                                      فهذا البيان لاستجاشة التفكر والتدبر في أمر الدنيا والآخرة . فالتفكر في الدنيا وحدها لا يعطي العقل البشري ولا القلب الإنساني صورة كاملة عن حقيقة الوجود الإنساني. وحقيقة الحياة وتكاليفها وارتباطاتها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا ينشئ تصورا صحيحا للأوضاع والقيم والموازين. فالدنيا شطر الحياة الأدنى والأقصر وبناء الشعور والسلوك على حساب الشطر القصير لا ينتهي أبدا إلى تصور صحيح ولا إلى سلوك صحيح.. ومسألة الإنفاق بالذات في حاجة إلى حساب الدنيا والآخرة. فما ينقص من مال المرء بالإنفاق يرد عليها طهارة لقلبه، وزكاة [ ص: 232 ] لمشاعره. كما يرد عليه صلاحا للمجتمع الذي يعيش فيه ووئاما وسلاما. ولكن هذا كله قد لا يكون ملحوظا لكل فرد. وحينئذ يكون الشعور بالآخرة وما فيها من جزاء، وما فيها من قيم وموازين، مرجحا لكفة الإنفاق، تطمئن إليه النفس، وتسكن له وتستريح. ويعتدل الميزان في يدها فلا يرجح بقيمة زائفة ذات لألاء وبريق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية