الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ..

                                                                                                                                                                                                                                      إنهم يستعينون بأولياء يتخذونهم من دون الله، والله يعلم حقيقة هؤلاء الأولياء، وهي الحقيقة التي صورت في المثل السابق، عنكبوت تحتمي بخيوط العنكبوت!. وهو العزيز الحكيم ..

                                                                                                                                                                                                                                      هو وحده العزيز القادر الحكيم المدبر لهذا الوجود.

                                                                                                                                                                                                                                      وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ..

                                                                                                                                                                                                                                      فلقد اتخذها جماعة من المشركين المغلقي القلوب والعقول مادة للسخرية والتهكم، وقالوا: إن رب محمد يتحدث عن الذباب والعنكبوت، ولم يهز مشاعرهم هذا التصوير العجيب لأنهم لا يعقلون ولا يعلمون: وما يعقلها إلا العالمون ..

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يربط تلك الحقيقة الضخمة التي قدمها بالحق الكبير في تصميم هذا الكون كله على طريقة القرآن في ربط كل حقيقة بذلك الحق الكبير:

                                                                                                                                                                                                                                      خلق الله السماوات والأرض بالحق. إن في ذلك لآية للمؤمنين ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا تجيء هذه الآية عقب قصص الأنبياء، وعقب المثل المصور لحقيقة القوى في الوجود، متناسقة معها مرتبطة بها، بتلك الصلة الملحوظة، صلة الحقائق المتناثرة كلها بالحق الكامن في خلق السماوات والأرض; والذي قامت به السماوات والأرض، في ذلك النظام الدقيق الذي لا يتخلف ولا يبطئ ولا يختلف ولا يصدم بعضه بعضا، لأنه حق متناسق لا عوج فيه!

                                                                                                                                                                                                                                      إن في ذلك لآية للمؤمنين ..

                                                                                                                                                                                                                                      الذين تتفتح قلوبهم لآيات الله الكونية المبثوثة في تضاعيف هذا الكون وحناياه، المشهودة في تنسيقه وتنظيمه، المنثورة في جوانبه حيثما امتدت الأبصار، والمؤمنون هم الذين يدركونها، لأنهم مفتوحو البصائر والمشاعر للتلقي والإدراك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2738 ] وفي نهاية الشوط يربط الكتاب الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ويربط الصلاة وذكر الله، بالحق الذي في السماوات والأرض، وبسلسلة الدعوة إلى الله من لدن نوح عليه السلام:

                                                                                                                                                                                                                                      اتل ما أوحي إليك من الكتاب، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ..

                                                                                                                                                                                                                                      اتل ما أوحي إليك من الكتاب فهو وسيلتك للدعوة، والآية الربانية المصاحبة لها، والحق المرتبط بالحق الكامن في خلق السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وأقم الصلاة إن الصلة - حين تقام - تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهي اتصال بالله يخجل صاحبه ويستحيي أن يصطحب معه كبائر الذنوب وفواحشها ليلقى الله بها، وهي تطهر وتجرد لا يتسق معها دنس الفحشاء والمنكر وثقلهما. "من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا". وما أقام الصلاة كما هي إنما أداها أداء ولم يقمها، وفرق كبير بينهما، فهي حين تقام ذكر لله. ولذكر الله أكبر . أكبر إطلاقا أكبر من كل اندفاع ومن كل نزوع، وأكبر من كل تعبد وخشوع.

                                                                                                                                                                                                                                      والله يعلم ما تصنعون ..

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يخفى عليه شيء، ولا يلتبس عليه أمر، وأنتم إليه راجعون، فمجازيكم بما تصنعون..

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2739 ] انتهى الجزء العشرون

                                                                                                                                                                                                                                      ويليه الجزء الحادي والعشرون مبدوءا بقوله تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية