nindex.php?page=treesubj&link=29000_18467_29497_34136_34149_34306_34310nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، لو كانوا يعلمون ..
فهذه الحياة الدنيا في عمومها ليست إلا لهوا ولعبا حين لا ينظر فيها إلى الآخرة. حين تكون هي الغاية العليا للناس. حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة. فأما الحياة الآخرة فهي الحياة الفائضة بالحيوية. هي الحيوان لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء.
والقرآن لا يعني بهذا أن يحض على الزهد في متع الحياة الدنيا والفرار منه وإلقائه بعيدا. إن هذا ليس روح الإسلام ولا اتجاهه. إنما يعني مراعاة الآخرة في هذا المتاع، والوقوف فيه عند حدود الله. كما يقصد الاستعلاء عليه فلا تصبح النفس أسيرة له، يكلفها ما يكلفها فلا تتأبى عليه! والمسألة مسألة قيم يزنها بميزانها الصحيح. فهذه قيمة الدنيا وهذه قيمة الآخرة كما ينبغي أن يستشعرها المؤمن; ثم يسير في متاع الحياة الدنيا على ضوئها، مالكا لحريته معتدلا في نظرته: الدنيا لهو ولعب، والآخرة حياة مليئة بالحياة.
وبعد هذه الوقفة للوزن والتقويم يمضي في عرض ما هم فيه من متناقضات:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين. فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ..
وهذا كذلك من التناقض والاضطراب. فهم إذا ركبوا في الفلك; وأصبحوا على وجه اليم كاللعبة تتقاذفها الأمواج، لم يذكروا إلا الله. ولم يشعروا إلا بقوة واحدة يلجأون إليها هي قوة الله. ووحدوه في مشاعرهم وعلى ألسنتهم سواء; وأطاعوا فطرتهم التي تحس وحدانية الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ونسوا وحي الفطرة المستقيم; ونسوا دعاءهم لله وحده مخلصين له الدين، وانحرفوا إلى الشرك بعد الإقرار والتسليم!
وغاية هذا الانحراف أن ينتهي بهم إلى الكفر بما آتاهم الله من النعمة، وما آتاهم من الفطرة، وما آتاهم من البينة; وأن يتمتعوا متاع الحياة الدنيا المحدود إلى الأجل المقدور. ثم يكون بعد ذلك ما يكون، وهو الشر والسوء.
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ..
[ ص: 2752 ] وهو التهديد من طرف خفي بسوء ما سوف يعلمون!
ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم في إعطائهم هذا الحرم الآمن الذي يعيشون فيه، فلا يذكرون نعمة الله ولا يشكرونها بتوحيده وعبادته. بل إنهم ليروعون المؤمنين فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم؟ أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون؟ ..
ولقد كان أهل الحرم المكي يعيشون في أمن، يعظمهم الناس من أجل بيت الله، ومن حولهم القبائل تتناحر، ويفزع بعضهم بعضا، فلا يجدون الأمان إلا في ظل البيت الذي آمنهم الله به وفيه. فكان عجيبا أن يجعلوا من بيت الله مسرحا للأصنام، ولعبادة غير الله أيا كان!
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أفبالباطل يؤمنون؟ وبنعمة الله يكفرون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=68ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه؟ أليس في جهنم مثوى للكافرين؟ ..
وهم قد افتروا على الله الكذب بنسبة الشركاء إليه. وهم كذبوا بالحق لما جاءهم وجحدوا به. أليس في جهنم مثوى للكافرين؟ بلى وعن يقين!
ويختم السورة بصورة الفريق الآخر. الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه; ويتصلوا به. الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا. الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس. الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب.. أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم، ولن ينسى جهادهم. إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم. وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم. وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم. وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. وإن الله لمع المحسنين ..
nindex.php?page=treesubj&link=29000_18467_29497_34136_34149_34306_34310nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ، وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ..
فَهَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي عُمُومِهَا لَيْسَتْ إِلَّا لَهْوًا وَلَعِبًا حِينَ لَا يُنْظَرُ فِيهَا إِلَى الْآخِرَةِ. حِينَ تَكُونُ هِيَ الْغَايَةُ الْعُلْيَا لِلنَّاسِ. حِينَ يُصْبِحُ الْمَتَاعُ فِيهَا هُوَ الْغَايَةُ مِنَ الْحَيَاةِ. فَأَمَّا الْحَيَاةُ الْآخِرَةُ فَهِيَ الْحَيَاةُ الْفَائِضَةُ بِالْحَيَوِيَّةِ. هِيَ الْحَيَوَانُ لِشِدَّةِ مَا فِيهَا مِنَ الْحَيَوِيَّةِ وَالِامْتِلَاءِ.
وَالْقُرْآنُ لَا يَعْنِي بِهَذَا أَنْ يَحُضَّ عَلَى الزُّهْدِ فِي مَتَعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفِرَارِ مِنْهُ وَإِلْقَائِهِ بَعِيدًا. إِنَّ هَذَا لَيْسَ رُوحَ الْإِسْلَامِ وَلَا اتِّجَاهَهُ. إِنَّمَا يَعْنِي مُرَاعَاةَ الْآخِرَةِ فِي هَذَا الْمَتَاعِ، وَالْوُقُوفَ فِيهِ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ. كَمَا يَقْصِدُ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَيْهِ فَلَا تُصْبِحُ النَّفْسُ أَسِيرَةً لَهُ، يُكَلِّفُهَا مَا يُكَلِّفُهَا فَلَا تَتَأَبَّى عَلَيْهِ! وَالْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ قِيَمٍ يَزِنُهَا بِمِيزَانِهَا الصَّحِيحِ. فَهَذِهِ قِيمَةُ الدُّنْيَا وَهَذِهِ قِيمَةُ الْآخِرَةِ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَشْعِرَهَا الْمُؤْمِنُ; ثُمَّ يَسِيرُ فِي مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى ضَوْئِهَا، مَالِكًا لِحُرِّيَّتِهِ مُعْتَدِلًا فِي نَظْرَتِهِ: الدُّنْيَا لَهْوٌ وَلَعِبٌ، وَالْآخِرَةُ حَيَاةٌ مَلِيئَةٌ بِالْحَيَاةِ.
وَبَعْدَ هَذِهِ الْوَقْفَةِ لِلْوَزْنِ وَالتَّقْوِيمِ يَمْضِي فِي عَرْضِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ مُتَنَاقِضَاتٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ..
وَهَذَا كَذَلِكَ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالِاضْطِرَابِ. فَهُمْ إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ; وَأَصْبَحُوا عَلَى وَجْهِ الْيَمَّ كَاللُّعْبَةِ تَتَقَاذَفُهَا الْأَمْوَاجُ، لَمْ يَذْكُرُوا إِلَّا اللَّهَ. وَلَمْ يَشْعُرُوا إِلَّا بِقُوَّةٍ وَاحِدَةٍ يَلْجَأُونَ إِلَيْهَا هِيَ قُوَّةُ اللَّهِ. وَوَحَّدُوهُ فِي مَشَاعِرِهِمْ وَعَلَى أَلْسِنَتِهِمْ سَوَاءً; وَأَطَاعُوا فِطْرَتَهُمُ الَّتِي تُحِسُّ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ وَنَسُوا وَحْيَ الْفِطْرَةِ الْمُسْتَقِيمِ; وَنَسُوا دُعَاءَهُمْ لِلَّهِ وَحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَانْحَرَفُوا إِلَى الشِّرْكِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالتَّسْلِيمِ!
وَغَايَةُ هَذَا الِانْحِرَافِ أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ، وَمَا آتَاهُمْ مِنَ الْفِطْرَةِ، وَمَا آتَاهُمْ مِنَ الْبَيِّنَةِ; وَأَنْ يَتَمَتَّعُوا مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْمَحْدُودَ إِلَى الْأَجَلِ الْمَقْدُورِ. ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَكُونُ، وَهُوَ الشَّرُّ وَالسُّوءُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ..
[ ص: 2752 ] وَهُوَ التَّهْدِيدُ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ بِسُوءِ مَا سَوْفَ يَعْلَمُونَ!
ثُمَّ يُذَكِّرُهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي إِعْطَائِهِمْ هَذَا الْحَرَمَ الْآمِنَ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ، فَلَا يَذْكُرُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ وَلَا يَشْكُرُونَهَا بِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ. بَلْ إِنَّهُمْ لِيُرَوِّعُونِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؟ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ؟ ..
وَلَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ يَعِيشُونَ فِي أَمْنٍ، يُعَظِّمُهُمُ النَّاسُ مِنْ أَجْلِ بَيْتِ اللَّهِ، وَمِنْ حَوْلِهِمُ الْقَبَائِلُ تَتَنَاحَرُ، وَيُفَزِّعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَا يَجِدُونَ الْأَمَانَ إِلَّا فِي ظِلِّ الْبَيْتِ الَّذِي آمَنَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَفِيهِ. فَكَانَ عَجِيبًا أَنْ يَجْعَلُوا مِنْ بَيْتِ اللَّهِ مَسْرَحًا لِلْأَصْنَامِ، وَلِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ أَيًّا كَانَ!
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ؟ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=68وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ؟ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ؟ ..
وَهُمْ قَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بِنِسْبَةِ الشُّرَكَاءِ إِلَيْهِ. وَهُمْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ وَجَحَدُوا بِهِ. أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ؟ بَلَى وَعَنْ يَقِينٍ!
وَيَخْتِمُ السُّورَةَ بِصُورَةِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ. الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ لِيَصِلُوا إِلَيْهِ; وَيَتَّصِلُوا بِهِ. الَّذِينَ احْتَمَلُوا فِي الطَّرِيقِ إِلَيْهِ مَا احْتَمَلُوا فَلَمْ يَنْكُصُوا وَلَمْ يَيْأَسُوا. الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى فِتْنَةِ النَّفْسِ وَعَلَى فِتْنَةِ النَّاسِ. الَّذِينَ حَمَلُوا أَعْبَاءَهُمْ وَسَارُوا فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ الطَّوِيلِ الشَّاقِّ الْغَرِيبِ.. أُولَئِكَ لَنْ يَتْرُكَهُمُ اللَّهُ وَحْدَهُمْ وَلَنْ يُضَيِّعَ إِيمَانَهُمْ، وَلَنْ يَنْسَى جِهَادَهُمْ. إِنَّهُ سَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ عَلْيَائِهِ فَيَرْضَاهُمْ. وَسَيَنْظُرُ إِلَى جِهَادِهِمْ إِلَيْهِ فَيَهْدِيهِمْ. وَسَيَنْظُرُ إِلَى مُحَاوَلَتِهِمُ الْوُصُولَ فَيَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ. وَسَيَنْظُرُ إِلَى صَبْرِهِمْ وَإِحْسَانِهِمْ فَيُجَازِيهِمْ خَيْرَ الْجَزَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ..