وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون (33) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون (34) أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون (35) وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون (36) أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (37) فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون (38) وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون (39) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون (40) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (41) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين (42) فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون (43) من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون (44) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا [ ص: 2769 ] يحب الكافرين (45) ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (46) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من .الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين (47) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون (48) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين (49) فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير (50) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون (51) فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (52) وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (53) الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (54) ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون (55) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون (56) فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون (57) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون (58) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون (59) فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (60)
[ ص: 2770 ] يمضي هذا الشوط من السورة في مجالها الأصيل. المجال الكوني العام الذي ترتبط به أقدار الناس وأقدار الأحداث، والذي تتناسق فيه سنن الحياة وسنن الكون وسنن الدين القيم بلا تعارض ولا اصطدام.
وفي هذا الشوط يرسم صورة لتقلب الأهواء البشرية أمام ثبات السنن، ووهن عقائد الشرك أمام قوة الدين القيم. ويصور نفوس البشر في السراء والضراء وعند قبض الرزق وبسطه، وهي تضطرب في تقديراتها وتصوراتها ما لم تستند إلى ميزان الله الذي لا يضطرب أبدا، وما لم ترجع إلى قدر الله الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وبمناسبة الرزق يوجههم إلى الطريقة التي تنمي المال وتزكيه. الطريقة المتفقة مع النهج القيم والطريق الواصل. ويردهم بهذا إلى معرفة الخالق الرازق الذي يميت ويحيي. أما الشركاء الذين يتخذونهم من دون الله فماذا يفعلون؟ وينبههم إلى الفساد الذي تنشئه عقيدة الشرك في كل مكان. كما يوجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين إلى الاستقامة على منهجهم القيم. قبل أن يأتي اليوم الذي لا عمل فيه ولا كسب، ولكن حساب وجزاء عما كانوا يعملون. وفي معرض الحديث عن رزق الله يوجه قلوبهم إلى أنماط من هذا الرزق. منها ما يتعلق بحياتهم المادية كالماء النازل من السماء الذي يحيي الأرض بعد موتها. وتجري الفلك فيه بأمره. ومنها تلك الآيات البينات التي تنزل على الرسول لإحياء موات القلوب والنفوس، ولكنهم لا يهتدون ولا يسمعون. ويطوف بهم في جولة مع أطوار نشأتهم وحياتهم حتى ينتهوا إلى خالقهم، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون.. ويختم هذا الشوط بتثبيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهه إلى الصبر حتى يتحقق وعد الله الحق اليقين.