الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم أنزل الله تحريم من عدا نسائه اللواتي في عصمته فعلا، لا من ناحية العدد، ولكن هن بذواتهن لا يستبدل بهن غيرهن; ولم يعرف أن رسول الله قد زاد عليهن قبل التحريم:

                                                                                                                                                                                                                                      لا يحل لك النساء من بعد، ولا أن تبدل بهن من أزواج - ولو أعجبك حسنهن لا يستثني من ذلك - إلا ما ملكت يمينك .. فله منهن ما يشاء.. وكان الله على كل شيء رقيبا .. والأمر موكول إلى هذه الرقابة واستقرارها في القلوب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روت عائشة - رضي الله عنها - أن هذا التحريم قد ألغي قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتركت له حرية الزواج. ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج كذلك غيرهن بعد هذه الإباحة. فكن هن أمهات المؤمنين..

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2877 ] بعد ذلك ينظم القرآن علاقة المسلمين ببيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبنسائه - أمهات المؤمنين - في حياته وبعد وفاته كذلك. ويواجه حالة كانت واقعة، إذ كان بعض المنافقين والذين في قلوبهم مرض يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيوته وفي نسائه. فيحذرهم تحذيرا شديدا، ويريهم شناعة جرمهم عند الله وبشاعته. ويهددهم بعلم الله لما يخفون في صدورهم من كيد وشر:

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام - غير ناظرين إناه - ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا. ولا مستأنسين لحديث. إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق. وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب. ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن. وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا. إن ذلكم كان عند الله عظيما. إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ..

                                                                                                                                                                                                                                      روى البخاري - بإسناده - عن أنس بن مالك قال: بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش بخبز ولحم. فأرسلت على الطعام داعيا. فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون. ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون. فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه. فقلت: يا رسول الله ما أجد أحدا أدعوه. قال: " ارفعوا طعامكم " . وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق إلى حجرة عائشة - رضي الله عنها - فقال: " السلام عليكم - أهل البيت - ورحمة الله وبركاته " . قالت: وعليك السلام ورحمة الله. كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ بارك الله لك. فتقرى حجر نسائه، كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن كما قالت عائشة . ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم - فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - شديد الحياء. فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة . فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا. فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجه. أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.

                                                                                                                                                                                                                                      والآية تتضمن آدابا لم تكن تعرفها الجاهلية في دخول البيوت، حتى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان الناس يدخلون البيوت بلا إذن من أصحابها - كما جاء في شرح آيات سورة النور الخاصة بالاستئذان - وربما كان هذا الحال أظهر في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أصبحت هذه البيوت مهبط العلم والحكمة. وكان بعضهم يدخل وحين يرى طعاما يوقد عليه يجلس في انتظار نضج هذا الطعام ليأكل بدون دعوة إلى الطعام! وكان بعضهم يجلس بعد الطعام - سواء كان قد دعي إليه أو هجم هو عليه دون دعوة - ويأخذ في الحديث والسمر غير شاعر بما يسببه هذا من إزعاج للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهله. وفي رواية أن أولئك الثلاثة الرهط الذين كانوا يسمرون كانوا يفعلون هذا وعروس النبي - زينب بنت جحش - جالسة وجهها إلى الحائط! والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستحيي أن ينبههم إلى ثقلة مقامهم عنده حياء منه، ورغبة في ألا يواجه زواره بما يخجلهم! حتى تولى الله - سبحانه - عنه الجهر بالحق والله لا يستحيي من الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      ومما يذكر أن عمر - رضي الله عنه - بحساسيته المرهفة كان يقترح على النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجاب; وكان يتمناه على ربه. حتى نزل القرآن الكريم مصدقا لاقتراحه مجيبا لحساسيته!

                                                                                                                                                                                                                                      من رواية للبخاري - بإسناده - عن أنس بن مالك. قال: قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله. يدخل عليك البر والفاجر. فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب.. "

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءت هذه الآية تعلم الناس ألا يدخلوا بيوت النبي بغير إذن. فإذا دعوا إلى الطعام دخلوا. فأما إذا لم [ ص: 2878 ] يدعوا فلا يدخلون يرتقبون نضجه! ثم إذا طعموا خرجوا، ولم يبقوا بعد الطعام للسمر والأخذ بأطراف الحديث.. وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذا الأدب الذي يجافيه الكثيرون. فإن المدعوين إلى الطعام يتخلفون بعده، بل إنهم ليتخلفون على المائدة، ويطول بهم الحديث; وأهل البيت - الذين يحتفظون ببقية من أمر الإسلام بالاحتجاب - متأذون محتبسون، والأضياف ماضون في حديثهم وفي سمرهم لا يشعرون! وفي الأدب الإسلامي غناء وكفاء لكل حالة، لو كنا نأخذ بهذا الأدب الإلهي القويم

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تقرر الآية الحجاب بين نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والرجال:

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ..

                                                                                                                                                                                                                                      وتقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع:

                                                                                                                                                                                                                                      ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ..

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يقل أحد غير ما قال الله. لا يقل أحد إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك.. إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين. لا يقل أحد شيئا من هذا والله يقول: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن .. يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات. أمهات المؤمنين. وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق! وحين يقول الله قولا. ويقول خلق من خلقه قولا. فالقول لله - سبحانه - وكل قول آخر هراء، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد!

                                                                                                                                                                                                                                      والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقول الله. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول. وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل. ( وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار)

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرت الآية أن مجيئهم للطعام منتظرين نضجه من غير دعوة; وبقاءهم بعد الطعام مستأنسين للحديث.. كان يؤذي النبي فيستحيي منهم. وفي ختامها تقرر أنه ما يكون للمسلمين أن يؤذوا رسول الله. وكذلك ما يكون لهم أن يتزوجوا أزواجه من بعده; وهن بمنزلة أمهاتهم. ومكانهن الخاص من رسول الله يحرم أن ينكحهن أحد من بعده احتفاظا بحرمة هذا البيت وجلاله وتفرده:

                                                                                                                                                                                                                                      وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ورد أن بعض المنافقين قال: إنه ينتظر أن يتزوج من عائشة !

                                                                                                                                                                                                                                      إن ذلكم كان عند الله عظيما ..

                                                                                                                                                                                                                                      وما أهول ما يكون عند الله عظيما!

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يقف السياق عند هذا الإنذار الهائل، بل يستطرد إلى تهديد آخر هائل:

                                                                                                                                                                                                                                      إن تبدوا شيئا أو تخفوه، فإن الله كان بكل شيء عليما ..

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2879 ] وإذن فالله هو الذي يتولى الأمر. وهو عالم بما يبدو وما يخفى، مطلع على كل تفكير وكل تدبير. والأمر عنده عظيم. ومن شاء فليتعرض. فإنما يتعرض لبأس الله الساحق الهائل العظيم.

                                                                                                                                                                                                                                      وبعد الإنذار والتهديد يعود السياق إلى استثناء بعض المحارم الذين لا حرج على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يظهرن عليهم:

                                                                                                                                                                                                                                      لا جناح عليهن في آبائهن، ولا أبنائهن، ولا إخوانهن، ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن، ولا نسائهن، ولا ما ملكت أيمانهن. واتقين الله. إن الله كان على كل شيء شهيدا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهؤلاء المحارم هم الذين أبيح لنساء المسلمين عامة أن يظهرن عليهم.. ولم أستطع أن أتحقق أي الآيات كان أسبق في النزول; الآية الخاصة بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا، أم الآية العامة لنساء المسلمين جميعا في سورة النور. والأرجح أن الأمر كان خاصا بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عمم. فذلك هو الأقرب إلى طبيعة التكليف.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يفوتنا أن نلحظ هذا التوجيه إلى تقوى الله، والإشارة إلى اطلاعه على كل شيء: واتقين الله، إن الله كان على كل شيء شهيدا . فالإيحاء بالتقوى ومراقبة الله يطرد في مثل هذه المواضع، لأن التقوى هي الضمان الأول والأخير، وهي الرقيب اليقظ الساهر على القلوب.

                                                                                                                                                                                                                                      ويستمر السياق في تحذير الذين يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفسه أو في أهله; وفي تفظيع الفعلة التي يقدمون عليها.. وذلك عن طريقين: الطريق الأولى تمجيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيان مكانته عند ربه وفي الملإ الأعلى. والطريق الثانية تقرير أن إيذاءه إيذاء الله - سبحانه - وجزاؤه عند الله الطرد من رحمته في الدنيا والآخرة، والعذاب الذي يناسب الفعلة الشنيعة:

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وصلاة الله على النبي ذكره بالثناء في الملإ الأعلى; وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله سبحانه وتعالى.. ويا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه; ويشرق به الكون كله وتتجاوب به أرجاؤه. ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي لباقي. وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم. وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه، وصلاة الملائكة في الملإ الأعلى وتسليمهم; إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته وتسليمهم إلى تسليمه; وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي ظل هذا التمجيد الإلهي يبدو إيذاء الناس للنبي - صلى الله عليه وسلم - بشعا شنيعا ملعونا قبيحا: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذابا مهينا .. ويزيده بشاعة وشناعة أنه إيذاء لله من عبيده ومخاليقه. وهم لا يبلغون أن يؤذوا الله. إنما هذا التعبير يصور الحساسية بإيذاء رسوله، وكأنما هو إيذاء لذاته جل وعلا. فما أفظع! وما أبشع! وما أشنع!

                                                                                                                                                                                                                                      ويستطرد كذلك إلى إيذاء المؤمنين والمؤمنات عامة. إيذاؤهم كذبا وبهتانا، بنسبة ما ليس فيهم إليهم من النقائص والعيوب:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2880 ] والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا التشديد يشي بأنه كان في المدينة يومذاك فريق يتولى هذا الكيد للمؤمنين والمؤمنات، بنشر قالة السوء عنهم، وتدبير المؤامرات لهم، وإشاعة التهم ضدهم. وهو عام في كل زمان وفي كل مكان. والمؤمنون والمؤمنات عرضة لمثل هذا الكيد في كل بيئة من الأشرار المنحرفين، والمنافقين، والذين في قلوبهم مرض. والله يتولى عنهم الرد على ذلك الكيد، ويصم أعداءهم بالإثم والبهتان. وهو أصدق القائلين.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين عامة - إذا خرجن لحاجتهن أن يغطين أجسامهن ورؤوسهن وجيوبهن - وهي فتحة الصدر من الثوب - بجلباب كاس. فيميزهن هذا الزي، ويجعلهن في مأمن من معابثة الفساق. فإن معرفتهن وحشمتهن معا تلقيان الخجل والتحرج في نفوس الذين كانوا يتتبعون النساء لمعابثتهن:

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن. ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين. وكان الله غفورا رحيما ..

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي في هذه الآية: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طريق المدينة فيعرضون للنساء. وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطريق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن. فإذا رأوا المرأة عليها جلباب. قالوا: هذه حرة. فكفوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة فوثبوا عليها..

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : يتجلببن فيعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة. وقوله تعالى: وكان الله غفورا رحيما أي: لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن ذلك نرى الجهد المستمر في تطهير البيئة العربية، والتوجيه المطرد لإزالة كل أسباب الفتنة والفوضى، وحصرها في أضيق نطاق، ريثما تسيطر التقاليد الإسلامية على الجماعة كلها وتحكمها.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي النهاية يأتي تهديد المنافقين ومرضى القلوب والمرجفين الذين ينشرون الشائعات المزلزلة في صفوف الجماعة المسلمة.. تهديدهم القوي الحاسم بأنهم إذا لم يرتدعوا عما يأتونه من هذا كله، وينتهوا عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات، والجماعة المسلمة كلها، أن يسلط الله عليهم نبيه، كما سلطه على اليهود من قبل، فيطهر منهم جو المدينة ، ويطاردهم من الأرض; ويبيح دمهم فحيثما وجدوا أخذوا وقتلوا. كما جرت سنة الله فيمن قبلهم من اليهود على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير اليهود من المفسدين في الأرض في القرون الخالية:

                                                                                                                                                                                                                                      لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا. سنة الله في الذين خلوا من قبل. ولن تجد لسنة الله تبديلا ..

                                                                                                                                                                                                                                      ومن هذا التهديد الحاسم ندرك مدى قوة المسلمين في المدينة بعد بني قريظة ، ومدى سيطرة الدولة الإسلامية عليها. وانزواء المنافقين إلا فيما يدبرونه من كيد خفي، لا يقدرون على الظهور; إلا وهم مهددون خائفون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية