قوله تعالى: إلا ما ذكيتم :
على صورة الاستثناء، ولا يجوز أن يرجع إلى جميع المذكور قبله، لأن الميتة لا يرجع إليها الاستثناء، وكذلك الدم ولحم الخنزير، وإن ذلك لا يجوز أن تلحقه الذكاة، وكذلك قوله: وما أهل لغير الله به فإنه محمول على المذبوح على أسماء الأصنام، فلا يقال في مثله: إلا ما ذكيتم، فلا رجوع إلى الاستثناء إلا ما قبل المنخنقة، فبقي ما قبل المنخنقة على حكم العموم، ومن قوله: المنخنقة إلى موضع الاستثناء، أمكن رد الاستثناء إليه. فيقال: المنخنقة أو الموقوذة محرمة إلا ما أدرك ذكاته وفيه حياة مستقرة، فإنه يحل بالذكاة.
يبقى أن يقال: إنما يباح ما يباح، أو يحرم ما يحرم بعد الموت، فإذا بعد ذلك، فلا تسمى منخنقة، وإنما تسمى مذكاة، والمنخنقة هي التي تموت بالخنق فقط، فعلى هذا يحتمل أن يقال: إلا ما ذكيتم استثناء منقطع بمنزلة قوله: لكن ما ذكيتم، كقوله تعالى: خنق شاة ثم خلاها وفيها حياة مستقرة، ثم ذبحت
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس . [ ص: 20 ] وليس في الكلام المتقدم على الاستثناء ما يقتضي الاستثناء، فإن تقدير الكلام: فهلا كانت القرية آمنت فنفعها إيمانها: أي: لينفعها إيمانها عند الله وفي الدنيا، فلا تعلن له بقوم إلا قوم يونس، فإنه ليس رفعا لشيء مما تقدم، ومعناه: لكن قوم يونس لما آمنوا.
وكذلك قوله تعالى:
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى . وليس قوله: إلا تذكرة لمن يخشى، رفعا لشيء من قوله: لتشقى، ولكن معناه: لكن تذكرة لمن يخشى. ومثله قوله تعالى:
( إلا الذين ظلموا ) .
على بعض الأقوال، وكذلك قوله: لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم . ومثله:
لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى . ويمكن أن يقال: إنه استثنى على بعض الوجوه، وتقديره: حرمنا كل ما قتلتموه، وحرمنا الميتات كلها إلا السمك والجراد وحرمنا كل دم إلا الكبد والطحال. [ ص: 21 ] فعلى هذا التقدير يستقيم الاستثناء، إلا ما زكيتم، مطلق مصروف إلى ما جعل ذكاة شرعا، وإلا فالعرب لا تفصل في الذكاة بين الموقوذة والمنخنقة، والذكاة بالحديد. ولا تعرف العرب من الذكاة قطع الحلقوم واللثة وحالة خاصة، فظاهر الحال أنه محال على بيان مقدم.