قوله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم :
هذا يحتمل أن يكون معناه: إنا لم نرد تكليفكم لنشق عليكم، وإنما أردنا بتكليفكم اللطف بكم في محو سيئاتكم وتطهيركم من ذنوبكم، كما قال عليه الصلاة والسلام: [ ص: 59 ] "إذا توضأ العبد فغسل وجهه خرجت خطاياه وذنوبه من وجهه، وإذا غسل يديه خرجت ذنوبه من يديه" إلى آخره .
وقوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا إنما أراد به التطهير من الذنوب، ويحتمل التطهير من الأحداث والجنابة. فكانه قال: هذه الأفعال ليست واجبة لذواتها، وإنما هي لمقصود، وهو حصول الطهارة عن الأحداث بها فهو المقصود والمغزى. وهذا يضعف من وجه، فإن الطهارة من الجنابة ليست غرضا للخلق، حتى يقال ما أردنا تضعيف الأمر عليكم، إنما أردنا كذا، فليست الجنابة نجاسة منكرة في الطبع، وإنما الله سبحانه وتعالى قال: طهروا أنفسكم، فسمى الوضوء طهارة، وإنما صار طهارة بالشرع، فقوله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم . يجب أن يفيد مقصودا للعبد، ليكون يحصل بذلك المقصود نفي الحرج، وجعل الحدث نجاسة واجبا إزالتها، ليس بنفي الحرج ولا يحقق للعبد مقصودا، فدل على أن المراد به كون الوضوء مشروعا عبادة لدحض الآثام، وذلك يقتضي افتقاره إلى النية، لأنه شرع لمحو الإثم ورفع الدرجات عند الله تعالى، وقد قيل: قوله: "ليطهركم" أي: ليحقق نظافتكم عاجلا، وهذا فيه بعد، فإنه ذكر ذلك عقب التيمم، وهو لا يحقق هذا المعنى، إذ [ ص: 60 ] ليست النظافة في الوضوء ظاهرة للخلق ظهورا يقال إن الشرع أمر بها لأجل ذلك.