ولما لم يتذكروا ولا لانوا، سبب عن أخذهم قوله معرفا بغباوتهم [ ص: 39 ] معبرا في الخير بأداة التحقيق إشارة إلى أنه أغلب من الشر، حثا على الشكر: فإذا أي: فما تسبب عن ذلك إلا أنهم كانوا إذا جاءتهم الحسنة أي: الحالة الكاملة التي يحبونها من الخصب وغيره، وعرفها بعد تحقيقها إشارة إلى إكمالها قالوا لنا هذه أي: نحن حقيقون بها، ودل على أن الخير أكثر من غيره بقوله بأداة الشك مع التنكير: وإن تصبهم سيئة أي: حالة يكرهونها.
[ولما كانت الإصابة بالسيئات تخصهم ولا يلحق بني إسرائيل منها شيء، فكان إظهارهم للتطير بهم ظاهرا في ردهم عليهم وتكذيبهم فيه، أشار سبحانه بإدغام التاء إلى أنهم كانوا إنما يدسونه إلى من يمكنهم اختداعه من الجهلة والأغبياء على وجه الحلية والخفاء، بخلاف ما في يس فقال]: يطيروا أي: : يتشاءموا بموسى ومن معه أي: بأن يقولوا: ما حصل لنا هذا السوء إلا بشؤمهم، وهو تفعل من الطير، وهو تعمد قصد الطير لأن يطير للتفاؤل به من خير أو شر، وأصله أن العرب كانوا إذا مر الطائر من ميامنهم إلى جهة مياسرهم قالوا: بارح، أي: مشؤوم، من البرح وهو الشدة، فإذا طار من جهة اليسار إلى جهة اليمين عدوه مباركا، قالوا: من لي بالسانح بعد البارح، أي: بالمبارك بعد المشؤوم، وعرف أن المراد هنا لاقترانه بالسيئة. التشاؤم
ولما كذبوا في الموضعين، قال مستأنفا على وجه التأكيد: [ ص: 40 ] ألا إنما طائرهم أي: قدرهم الذي سبق في الأزل من الخير والشر فلا يزداد ولا ينقص عند الله أي: الملك الذي لا أمر لغيره وقد قدر كل شيء، فلا يقدر على المجيء به غيره أصلا ولكن أكثرهم لا يعلمون أي: لا علم لهم أصلا فهم لا يهتدون إلى ما ينفعهم ويظنون أن للعباد مدخلا في ذلك، فلذلك تراهم يضيفون الأشياء إلى أسباب يتوهمونها.