ولما بين أن العذاب جزاء الكافرين، بين أنه يتوب على من يريد منهم، وهم كل من علم منه قابلية للإيمان وإن كان شديدا في وصف الكفران، فقال عاطفا على: وعذب ثم يتوب الله أي: الذي له الإحاطة علما وقدرة، ولما لم يكن أحد تستغرق توبته زمان البعد أدخل الجار فقال: من بعد ذلك أي: العذاب العظيم على من يشاء أي: فيهديه إلى الإسلام ويغفر له جميع ما سلف من الآثام والله أي: الذي له صفات الكمال غفور رحيم أي: محاء للخطايا عظيم الإكرام لمن تاب، وفي ذلك إشارة إلى أنه جعل هذه الوقعة لحكمته التي اقتضت ربط المسببات بأسبابها - سببا لإسلام من حضرها من كفار قريش وغيرهم من المؤلفة بما قسم فيهم صلى الله عليه وسلم من غنائم هوازن وبما رأوا من فكان في ذلك ترغيب لهم بالمال، وترهيب بسطوات القتال، ولإسلام وفد عز الإسلام وعلوه، هوازن بما حصل لهم من القهر وما شاهدوا للنبي صلى الله عليه وسلم من عظيم النصر، ولإسلام [ ص: 428 ] غيرهم من العرب بسبب علم كل منهم بهذه الوقعة أنهم أضعف ناصرا وأقل عددا، كل ذلك رحمة منه سبحانه لهم ورفقا لهم، وقد كان جميع ذلك كما أشار إليه سبحانه، فأسلم الطلقاء وحسن إسلامهم، وقدم وفدهوازن وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم جبرهم برد ما أخذ لهم فقال لهم: إني استأنيت بكم، فلما أبطأتم قسمت بين الناس فيئهم، فاختاروا المال أو السبي! فاختاروا السبي فشفع لهم عند الناس فأجابوه فرد إليهم أبناءهم ونساءهم رحمة منه لهم، وذل العرب لذلك فدخلوا في الدين أفواجا. وختم هذه الآية بالمغفرة والرحمة على ما هو الأنسب لسياق التوبة بذلك على أنه ما عدل إلى ختم الأولى ب: عليم حكيم إلا لما قررته من جعل أم في أم حسبتم معادلة للهمزة. والله أعلم.