ولما كان المراد التعميم أتى بها نكرة لتفيد ذلك، ويؤيد هذا ما نقل العلماء عن الرواة لفتوح البلاد منهم
الحافظ أبو الربيع بن سالم الكلاعي، قال في كتابه: الاكتفاء في وقعة جلولاء من
بلاد فارس: [ ص: 436 ] قالوا: قال بعضهم: فكان الفلاحون للطرق والجسور والأسواق والحرث والدلالة مع الجزي عن أيديهم على قدر طاقتهم، وكانت الدهاقين للجزية عن أيديهم والعمارة، وإنما أخذوا
nindex.php?page=treesubj&link=8835الجزية من المجوس لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس
هجر وأخذها منهم لأنهم أهل كتاب في الأصل، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في باب المجمل والمفسر من كتاب اختلاف الحديث: والمجوس أهل كتاب غير التوراة والإنجيل وقد نسوا كتابهم وبدلوه، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
nindex.php?page=treesubj&link=8835أخذ الجزية منهم; أخبرنا
سفيان عن
أبي سعد سعيد بن مرزبان عن
نصر بن عاصم قال: قال
فروة بن نوفل الأشجعي: علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلببه فقال: يا عدو الله! تطعن على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعلي
nindex.php?page=showalam&ids=8أمير المؤمنين - يعني عليا - وقد أخذوا منهم الجزية، فذهب به إلى القصر فخرج
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه عليهما فقال: البدا! البدا! فجلسا في ظل القصر فقال علي: أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع عليهم فدعا أهل مملكته فقال: تعلمون دينا
[ ص: 437 ] خيرا من دين
آدم وقد كان
آدم ينكح بنيه من بناته، فأنا على دين
آدم، فبايعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم، وهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما منهم الجزية. ولما أمر بقتالهم ووصفهم بما هو السبب الباعث على ذلك، عطف عليه بعض أقوالهم المبيحة لقتالهم الموجبة لنكالهم فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=19059_29706_31931_31951_32416_32429_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت أي: قائلو أهل الكتاب لأنهم كفروا بما وصفناهم به وقالت
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30اليهود منهم كذبا وبهتانا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير تنوين
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي له موضح لكونه مبتدأ، والباقون منعوه نظرا إلى عجمته مع العلمية وليس فيه تصغير، والخبر في القراءة قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ابن الله أي: الذي له العلو المطلق فليس كمثله شيء،
وعزير هذا هو المسمى عندهم في سفر الأنبياء ملاخيا، ويسمى أيضا
العازر وهو الأصل
والعزير تعريبه، وأما الذي جمع لهم هذه التوراة التي بين أيديهم فقال
السموأل بن يحيى المغربي الذي كان يهوديا فأسلم: إنه شخص آخر اسمه
عزرا، وإنه ليس بنبي؛ ذكر ذلك في كتابه: غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود، وهو كتاب حسن جدا، وكان
السموأل هذا مع تمكنه من المعرفة بشريعة اليهود وأخبارهم متمكنا من علوم الهندسة وغيرها، وكان فصيحا بليغا
[ ص: 438 ] وكان حسن الإسلام يضرب المثل بعقله، ورأيت اليهود في غاية النكاية منه، وأراني بعضهم رسالة إليه لبعض أحبارهم يسفه فيها رأيه في إسلامه ويشبه عليه بأشياء خطابية وشعرية، فأجابه بجواب بديع افتتحه بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ثم رد كلامه أحسن رد ثم قال له ما حاصله: دع عنك مثل هذه الخرافات، وأجب عن الأمور التي ألزمتكم بها في كتاب غاية المقصود، فما أحار جوابا، ثم القائل لهذا القول منهم روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنهم أربعة، وقيل: قائله واحد وأسند إلى الكل كما يقال: فلان يركب الخيول وقد لا يكون له إلا فرس واحد، وهو كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الذين قال لهم الناس وقيل: كان فاشيا فيهم فلما عابهم الله به تركوه وهم الآن ينكرونه، والله تعالى أصدق حديثا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت النصارى أي: منهم إفكا وعدوانا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30المسيح وأخبروا عنه بقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ابن الله أي: مع أن له الغنى المطلق والكمال الأعظم،
والمسيح هذا هو
ابن مريم بنت عمران ; ثم استأنف قوله: مترجما قولي فريقيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ذلك أي: القول البعيد من العقول المكذب للنقول
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قولهم بأفواههم أي: حقيقة لم يحتشموا من قوله: مع
[ ص: 439 ] سخافته، وهو مع ذلك قول لا تجاوز حقيقته الأفواه إلى العقول لأنه لا يتصوره عاقل، بل هو قول مهمل كأصوات الحيوانات العجم لا يتحقق له المعنى; قال: ومعناه الحال أن قائله لا عقل له، ليس له معنى وراء ذلك، ولبعده عن أن يكون مقصودا لعاقل عبر فيه بالأفواه التي هي أبعد من الألسنة إلى القلوب.
ولما كان كأنه قيل: فما لهم إذا كان هذا حالهم قالوه؟ قال ما حاصله: إنهم قوم مطبوعون على التشبه بمن يفعل المفاسد كما أنهم تشبهوا بعبدة الأوثان، فعبدوها غير مرة والأنبياء بين أظهرهم يدعونهم إلى الله وكتابهم ينادي بمثل ذلك وينذرهم أشد الإنذار
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يضاهئون أي: حال كونهم يشابهون بقولهم هذا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قول الذين كفروا أي: بمثله وهم العرب حيث قالوا: الملائكة بنات الله، كما أنهم لما رأوا الذين يعكفون على أصنام لهم قالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=138يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة
ولما كان لا يمتنع أن يكون الذين شابهوهم إنما كانوا بعدهم أو في زمانهم من قبل أن يبين فساد قولهم، نفى ذلك بقوله: مشيرا بحرف الجر إلى أن كفرهم لم يستغرق زمن القبل:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30من قبل أي: من قبل أن يحدث منهم هذا القول، وهذا دليل على أن العرب غيروا دين إسماعيل عليه السلام، اجترؤوا على مثل هذا القول قبل إيقاع بختنصر باليهود
[ ص: 440 ] أو في حدوده، وليس ذلك ببعيد مع طول الزمان وإغواء الشيطان، فقد كان بين زمان
إبراهيم وعزير عليهما السلام نحو ألف وخمسمائة سنة - هذا على ما ذكره بعض علماء أهل الكتاب عن كتبهم وأيده ما ذكره
المسعودي من مروج الذهب في تاريخ ملوك
بابل من
نمرود إلى
بختنصر: وذكر بعض المؤرخين أن بين الزمنين زيادة على ألفي سنة على أنهم قد نقلوا ما هو صريح في كفر العرب في ذلك الزمان فرووا عن
هشام بن الكلبي أنه قال: كان بدء نزول العرب إلى أرض العراق أن الله عز وجل أوحى إلى برخيا من ولد يهودا أن ائت بختنصر فمره أن يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ويطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلتهم ويسبي ذراريهم ويستبيح أموالهم وأعلمه بكفرهم بي واتخاذهم الآلهة دوني وتكذيبهم أنبيائي ورسلي، وعن غير
ابن الكلبي أنه نظم ما بين أبلة والإيلة خيلا ورجالا ثم دخلوا على العرب فاستعرضوا كل ذي روح قدروا عليه، وأوصى الله برخيا وإرميا
بمعد بن عدنان الذي من ولده
محمد المختوم به النبوة، وكان ذكر مشابهتهم لأهل الشرك تحقيرا لشأنهم تجرئة على الإقدام عليهم إذ جعلهم مشابهين لمن دربوا قتالهم وضربوا عليهم فأذلوهم بعد أن كانوا في عزة لا يخشون زوالها، وعزائم شديدة لا يخافون
[ ص: 441 ] انحلالها، كل ذلك بطاعة الله في قتالهم وطلب مرضاته بنزالهم لأنه عليهم، ومن كان عليه لم يفلح، وإلى مثل ذلك إشارة بقوله: في حق هؤلاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قاتلهم الله أي: أهلكهم الملك الأعظم؛ لأن من قاتله لم ينج منه، وقيل: لعنهم; روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: وكل شيء في القرآن مثله فهو لعن.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30أنى يؤفكون أي: كيف ومن أين يصرفون عن الحق مع قيام الأدلة القاطعة عليه،
وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ التَّعْمِيمَ أَتَى بِهَا نَكِرَةً لِتُفِيدَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدَ هَذَا مَا نَقَلَ الْعُلَمَاءُ عَنِ الرُّوَاةِ لِفُتُوحِ الْبِلَادِ مِنْهُمُ
الْحَافِظُ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ فِي كِتَابِهِ: الِاكْتِفَاءُ فِي وَقْعَةِ جَلُولَاءَ مِنْ
بِلَادِ فَارِسَ: [ ص: 436 ] قَالُوا: قَالَ بَعْضُهُمْ: فَكَانَ الْفَلَّاحُونَ لِلطُّرُقِ وَالْجُسُورِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْحَرْثِ وَالدَّلَالَةُ مَعَ الْجَزْيِ عَنْ أَيْدِيهِمْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وَكَانَتِ الدَّهَاقِينُ لِلْجِزْيَةِ عَنْ أَيْدِيهِمْ وَالْعِمَارَةِ، وَإِنَّمَا أَخَذُوا
nindex.php?page=treesubj&link=8835الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ
هَجَرَ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فِي الْأَصْلِ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ: وَالْمَجُوسُ أَهْلُ كِتَابٍ غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ، فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=8835أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ; أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ
أَبِي سَعْدٍ سَعِيدِ بْنِ مَرْزُبَانَ عَنْ
نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ
فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ: عَلَامَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنَ الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ فَأَخَذَ بِلَبَبِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ! تَطْعَنُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ وَعَلِيٍّ
nindex.php?page=showalam&ids=8أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي عَلِيًّا - وَقَدْ أَخَذُوا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الْقَصْرِ فَخَرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: الْبَدَا! الْبَدَا! فَجَلَسَا فِي ظِلِّ الْقَصْرِ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوسِ، كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَإِنَّ مَلِكَهُمْ سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَلَمَّا صَحَا جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ فَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ فَقَالَ: تَعْلَمُونَ دِينًا
[ ص: 437 ] خَيْرًا مِنْ دِينِ
آدَمَ وَقَدْ كَانَ
آدَمُ يَنْكِحُ بَنِيهِ مِنْ بَنَاتِهِ، فَأَنَا عَلَى دِينِ
آدَمَ، فَبَايَعُوهُ وَقَاتَلُوا الَّذِينَ خَالَفُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُمْ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَذَهَبَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ. وَلَمَّا أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِمَا هُوَ السَّبَبُ الْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ، عَطَفَ عَلَيْهِ بَعْضَ أَقْوَالِهِمُ الْمُبِيحَةِ لِقِتَالِهِمُ الْمُوجِبَةِ لِنَكَالِهِمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=19059_29706_31931_31951_32416_32429_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ أَيْ: قَائِلُو أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا وَصَفْنَاهُمْ بِهِ وَقَالَتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30الْيَهُودُ مِنْهُمْ كَذِبًا وَبُهْتَانًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ تَنْوِينُ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ لَهُ مُوَضِّحٌ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً، وَالْبَاقُونَ مَنَعُوهُ نَظَرًا إِلَى عُجْمَتِهِ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْغِيرٌ، وَالْخَبَرُ فِي الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ابْنُ اللَّهِ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ،
وَعُزَيْرٌ هَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ فِي سِفْرِ الْأَنْبِيَاءِ مَلَاخْيَا، وَيُسَمَّى أَيْضًا
الْعَازِرَ وَهُوَ الْأَصْلُ
وَالْعُزَيْرُ تَعْرِيبُهُ، وَأَمَّا الَّذِي جَمَعَ لَهُمْ هَذِهِ التَّوْرَاةَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقَالَ
السَّمَوْأَلُ بْنُ يَحْيَى الْمَغْرِبِيُّ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ: إِنَّهُ شَخْصٌ آخَرُ اسْمُهُ
عِزْرَا، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ؛ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: غَايَةُ الْمَقْصُودِ فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَهُوَ كِتَابٌ حَسَنٌ جِدًّا، وَكَانَ
السَّمَوْأَلُ هَذَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِشَرِيعَةِ الْيَهُودِ وَأَخْبَارِهِمْ مُتَمَكِّنًا مِنْ عُلُومِ الْهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ فَصِيحًا بَلِيغًا
[ ص: 438 ] وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِعَقْلِهِ، وَرَأَيْتُ الْيَهُودَ فِي غَايَةِ النِّكَايَةِ مِنْهُ، وَأَرَانِي بَعْضُهُمْ رِسَالَةً إِلَيْهِ لِبَعْضِ أَحْبَارِهِمْ يُسَفِّهُ فِيهَا رَأْيَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَيُشَبِّهُ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ خِطَابِيَّةٍ وَشِعْرِيَّةٍ، فَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ بَدِيعٍ افْتَتَحَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ثُمَّ رَدَّ كَلَامَهُ أَحْسَنَ رَدٍّ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا حَاصِلُهُ: دَعْ عَنْكَ مِثْلَ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ، وَأَجِبْ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي أَلْزَمْتُكُمْ بِهَا فِي كِتَابِ غَايَةِ الْمَقْصُودِ، فَمَا أَحَارَ جَوَابًا، ثُمَّ الْقَائِلُ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمْ رَوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ: قَائِلُهُ وَاحِدٌ وَأُسْنِدَ إِلَى الْكُلِّ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخُيُولَ وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ إِلَّا فَرَسٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ وَقِيلَ: كَانَ فَاشِيًا فِيهِمْ فَلَمَّا عَابَهُمُ اللَّهُ بِهِ تَرَكُوهُ وَهُمُ الْآنَ يُنْكِرُونَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَصْدَقُ حَدِيثًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ النَّصَارَى أَيْ: مِنْهُمْ إِفْكًا وَعُدْوَانًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30الْمَسِيحُ وَأَخْبَرُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ابْنُ اللَّهِ أَيْ: مَعَ أَنَّ لَهُ الْغِنَى الْمُطْلَقَ وَالْكَمَالَ الْأَعْظَمَ،
وَالْمَسِيحُ هَذَا هُوَ
ابْنُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ ; ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ: مُتَرْجِمًا قَوْلَيْ فَرِيقَيْهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30ذَلِكَ أَيِ: الْقَوْلُ الْبَعِيدُ مِنَ الْعُقُولِ الْمُكَذِّبِ لِلنُّقُولِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ أَيْ: حَقِيقَةٌ لَمْ يَحْتَشِمُوا مِنْ قَوْلِهِ: مَعَ
[ ص: 439 ] سَخَافَتِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلٌ لَا تُجَاوِزُ حَقِيقَتُهُ الْأَفْوَاهَ إِلَى الْعُقُولِ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُهُ عَاقِلٌ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ مُهْمَلٌ كَأَصْوَاتِ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمِ لَا يَتَحَقَّقُ لَهُ الْمَعْنَى; قَالَ: وَمَعْنَاهُ الْحَالُّ أَنَّ قَائِلَهُ لَا عَقْلَ لَهُ، لَيْسَ لَهُ مَعْنًى وَرَاءَ ذَلِكَ، وَلِبُعْدِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِعَاقِلٍ عَبَّرَ فِيهِ بِالْأَفْوَاهِ الَّتِي هِيَ أَبْعَدُ مِنَ الْأَلْسِنَةِ إِلَى الْقُلُوبِ.
وَلَمَّا كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَا لَهُمْ إِذَا كَانَ هَذَا حَالَهُمْ قَالُوهُ؟ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ مَطْبُوعُونَ عَلَى التَّشَبُّهِ بِمَنْ يَفْعَلُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّهُمْ تَشَبَّهُوا بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَعَبَدُوهَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَالْأَنْبِيَاءُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَكِتَابُهُمْ يُنَادِي بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُنْذِرُهُمْ أَشَدَّ الْإِنْذَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يُضَاهِئُونَ أَيْ: حَالَ كَوْنِهِمْ يُشَابِهُونَ بِقَوْلِهِمْ هَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ: بِمِثْلِهِ وَهُمُ الْعَرَبُ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الَّذِينَ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=138يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ
وَلَمَّا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ شَابَهُوهُمْ إِنَّمَا كَانُوا بَعْدَهُمْ أَوْ فِي زَمَانِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَيِّنَ فَسَادَ قَوْلِهِمْ، نَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مُشِيرًا بِحَرْفِ الْجَرِّ إِلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ زَمَنَ الْقَبْلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30مِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحْدُثَ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ غَيَّرُوا دِينَ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، اجْتَرَؤُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ إِيقَاعِ بُخْتَنَصَّرَ بِالْيَهُودِ
[ ص: 440 ] أَوْ فِي حُدُودِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَإِغْوَاءِ الشَّيْطَانِ، فَقَدْ كَانَ بَيْنَ زَمَانِ
إِبْرَاهِيمَ وَعُزَيْرٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ نَحْوَ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ - هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَأَيَّدَهُ مَا ذَكَرَهُ
الْمَسْعُودِيُّ مِنْ مُرُوجِ الذَّهَبِ فِي تَارِيخِ مُلُوكِ
بَابِلَ مِنْ
نَمْرُودَ إِلَى
بُخْتَنَصَّرَ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّ بَيْنَ الزَّمَنَيْنِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفَيْ سَنَةٍ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ نَقَلُوا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي كُفْرِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَرَوَوْا عَنْ
هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَدْءُ نُزُولِ الْعَرَبِ إِلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى بَرْخِيَا مِنْ وَلَدِ يَهُودَا أَنِ ائْتِ بُخْتَنَصَّرَ فَمُرْهُ أَنْ يَغْزُوَ الْعَرَبَ الَّذِينَ لَا أَغْلَاقَ لِبُيُوتِهِمْ وَيَطَأَ بِلَادَهُمْ بِالْجُنُودِ فَيَقْتُلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَيَسْبِيَ ذَرَارِيَهُمْ وَيَسْتَبِيحَ أَمْوَالَهُمْ وَأَعْلِمْهُ بِكُفْرِهِمْ بِي وَاتِّخَاذِهِمُ الْآلِهَةَ دُونِي وَتَكْذِيبِهِمْ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي، وَعَنْ غَيْرِ
ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ نَظَمَ مَا بَيْنَ أُبُلَّةَ وَالْإِيلَةِ خَيْلًا وَرِجَالًا ثُمَّ دَخَلُوا عَلَى الْعَرَبِ فَاسْتَعْرَضُوا كُلَّ ذِي رُوحٍ قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَأَوْصَى اللَّهُ بَرْخِيَا وَإِرْمِيَا
بِمَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ الَّذِي مِنْ وَلَدِهِ
مُحَمَّدٌ الْمَخْتُومُ بِهِ النُّبُوَّةُ، وَكَانَ ذَكَرَ مُشَابَهَتَهُمْ لِأَهْلِ الشِّرْكِ تَحْقِيرًا لِشَأْنِهِمْ تَجْرِئَةً عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِمْ إِذْ جَعَلَهُمْ مُشَابِهِينَ لِمَنْ دَرَبُوا قِتَالَهُمْ وَضَرَبُوا عَلَيْهِمْ فَأَذَلُّوهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي عِزَّةٍ لَا يَخْشَوْنَ زَوَالَهَا، وَعَزَائِمَ شَدِيدَةٍ لَا يَخَافُونَ
[ ص: 441 ] انْحِلَالَهَا، كُلُّ ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي قِتَالِهِمْ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ بِنِزَالِهِمْ لِأَنَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ لَمْ يُفْلِحْ، وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ إِشَارَةً بِقَوْلِهِ: فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَيْ: أَهْلَكَهُمُ الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، وَقِيلَ: لَعَنَهُمْ; رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهُ فَهُوَ لَعْنٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30أَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ: كَيْفَ وَمِنْ أَيْنَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ مَعَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَيْهِ،