ولما ختم الآية بوصف العزة والحكمة المناسب لافتتاحها بالموالاة وتعقيبها بآية الجهاد، وذلك بعد الوعد بالرحمة إجمالا، أتبعها بما هو أشد التئاما بها بيانا للرحمة وتفصيلا لها ترغيبا للمؤمنين بالإنعام عليهم بكل ما رامه المنافقون بنفاقهم في الحياة الدنيا، وزادهم بأنه دائم، وأخبر بأن ذلك هو الفوز لا غيره فقال: وعد الله أي الصادق الوعد الذي له الكمال كله المؤمنين والمؤمنات أي: الراسخين في التصديق بكل ما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم جنات تجري من تحتها الأنهار أي: فهي لا تزال خضرة ذات بهجة نضرة; ولما كان النعيم لا يكمل إلا بالدوام، قال: خالدين فيها كانت الجنان لا تروق إلا بالمنازل والدور الفسيحة والمعازل قال: ومساكن طيبة ولما كان بعض الجنان أعلى من بعض، وكان أعلاها ما شرف بوصف العندية المؤذن بالقرب من بنائه مما يؤكد معنى الدوام، قال: في جنات عدن أي: إقامة دائمة وهناء وصحة جسم وطيب مقر وموطن ومنبت، [ ص: 546 ] وذلك كما قال في حق أضدادهم عذاب مقيم وما أنسب ذكر هذه الجنة في سياق التعبير بالوصف المؤذن بالرسوخ؛ فإنه ورد في الحديث أنها خاصة بالنبيين والصديقين والشهداء، ولما كان ذلك لا يصفو عن الكدر مع تجويز نوع من الغضب قال مبتدئا إشارة إلى أنهى التعظيم: ورضوان أي: رضى لا يبلغه وصف واصف بما تشير إليه صيغة المبالغة ولو كان على أدنى الوجوه بما أفاده التنوين من الله أي: الذي لا أعظم منه عندهم أكبر أي: مطلقا، فهو أكبر من ذلك كله لأن رضاه سبب كل فوز، ولا يقع السرور الذي هو أعظم النعيم إلا برضى السيد، وإذا كان القليل منه أكبر فما ظنك بالكثير.
ولما تم ذلك على أحسن مقابلة بما وصف به أضدادهم، قال يصفه زيادة في الترغيب فيه: ذلك أي: الأمر العالي الرتبة هو أي: خاصة لا غيره الفوز العظيم أي: الذي يستصغر دونه كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وفي كون ذلك وعدا لمن اتصف لأجل ما اتصف به ترغيب في الجهاد المأمور به بعدها لكونه من أفراد والداعي الأعظم إلى الموالاة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر