ولما كان ما مضى - من آيات هذه السورة المبينة أن من أريدت شقاوته لا ينفعه مشاهدة الآيات - سببا لنفي الشك عنها وإثبات اليقين بمضامينها بما سلف من الأدلة على تلك المضامين إلى أن ختم ذلك بذم من عمل عمل الشاك بعد أن جاء ما يوجب اليقين من العلم، وكان صلى الله عليه وسلم كما مضى في آخر التي قبلها أشفق الخلق لا سيما على العرب لا سيما على قومه منهم، وكانت الوصية قد برزت من الجناب الإلهي له بما يوافق طبعه من بذل الجهد في ملاطفتهم، كان ذلك جديرا بأن يحرك طبع البشر لتمني الإجابة لما يقترحون، وكان طلب ذلك بعد الفطام عنه من أفعال الشك في الجملة فأريد صرف النفس عنه بالكلية ولو بالخطور في البال فقيل مسببا عما قبله:
nindex.php?page=treesubj&link=30614_34513_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فإن كنت أي: يا أرحم الخلق
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94في شك ولم يرد بهذا الكلام حقيقته - والله أعلم - بل تقوية اليقين وتأكيده ورسوخه وتأييده بأن هذا أمر قد عزم عليه وفرغ منه فلا يحتمل مراجعة، وذلك لأن المعنى أن ثباتهم على
[ ص: 205 ] الشقاوة أمر لا يعلم إلا من قبلنا، وذلك بأحد أمرين: إما بواسطة الأمين
جبرئيل بما يأتي به [من] الوحي عنا غضا طريا محفوظا من الغير فلا تحريف فيه ولا تبديل، وإما بواسطة أهل الكتاب عن أنبيائهم - وفي ذلك نزول درجتين مع تجويز التخويف والتبديل، وهذا ما لا \ يرضاه ذو همة علية ونفس أبية - فالمعنى: أنا قد أخبرتك بأن الآيات لا تزيد المقضي بشقائه إلا ضلالا وأنا خبير بذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14ولا ينبئك مثل خبير فلا تطلب إجابتي إياهم إلى ما يقترحون عليك رجاء إيمانهم؛ فإنهم لا يؤمنون بذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فإن كنت أي: في وقت من الأوقات
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94في شك أي: ولو قل
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94مما أنـزلنا أي: بعظمتنا واصلا على لسان الواسطة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94إليك في ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فاسأل أي: بسبب ذلك الشك
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94الذين يقرءون أي: متتابعين لذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94الكتاب أي السماوي من اليهود والنصارى، فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزلنا إليك على حد عظيم. ومن آمن منهم أو كان منصفا جدير بأن يزداد من فاوضه في ذلك إيمانا; ولما كانوا بعض من أوتي الكتاب في الزمن السالف، أثبت الجار فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94من قبلك وهم عن ذلك الخبر بمراحل، فلا تجنح إلى سؤال غيري، وهذا مضمون قوله تعالى مؤكدا آتيا بحرف التوقع
[ ص: 206 ] لأن كلا من الأمرين في أحق مواضعه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94لقد جاءك الحق أي الثابت الكامل ثباته [وهو إمضاء العدل فيهم]; وزاده تشريفا وترغيبا فيه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94من ربك أي المحسن إليك باصطفائك لذلك، فلذا سيق مساق البيان له من غير واو، فإذا ثبت أنه الحق أي الثابت أعلى الثبات تسبب عنه البعد من تزلزل من جاءه، فناسب إتباعه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فلا تكونن أكده لأنه حقيق بأن لا ينثني عنه أحد بوجه من الوجوه
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94من الممترين [أي] الغافلين عن آيات الله [فتطلب الفضل لأهل العدل]; قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله! ما شك طرفة عين ولا سأل أحدا منهم.
وَلَمَّا كَانَ مَا مَضَى - مِنَ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ الْمُبِينَةِ أَنَّ مَنْ أُرِيدَتْ شَقَاوَتُهُ لَا يَنْفَعُهُ مُشَاهَدَةُ الْآيَاتِ - سَبَبًا لِنَفْيِ الشَّكِّ عَنْهَا وَإِثْبَاتِ الْيَقِينِ بِمَضَامِينِهَا بِمَا سَلَفَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى تِلْكَ الْمَضَامِينِ إِلَى أَنْ خَتَمَ ذَلِكَ بِذَمِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ الشَّاكِّ بَعْدَ أَنْ جَاءَ مَا يُوجِبُ الْيَقِينَ مِنَ الْعِلْمِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا مَضَى فِي آخِرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَشْفَقَ الْخَلْقِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْعَرَبِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْهُمْ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَدْ بَرَزَتْ مِنَ الْجَنَابِ الْإِلَهِيِّ لَهُ بِمَا يُوَافِقُ طَبْعَهُ مِنْ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي مُلَاطَفَتِهِمْ، كَانَ ذَلِكَ جَدِيرًا بِأَنْ يُحَرِّكَ طَبْعَ الْبَشَرِ لِتَمَنِّي الْإِجَابَةِ لِمَا يَقْتَرِحُونَ، وَكَانَ طَلَبُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفِطَامِ عَنْهُ مِنْ أَفْعَالِ الشَّكِّ فِي الْجُمْلَةِ فَأُرِيدَ صَرْفُ النَّفْسِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَوْ بِالْخُطُورِ فِي الْبَالِ فَقِيلَ مُسَبَّبًا عَمَّا قَبْلَهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=30614_34513_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فَإِنْ كُنْتَ أَيْ: يَا أَرْحَمَ الْخَلْقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فِي شَكٍّ وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَلَامِ حَقِيقَتَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - بَلْ تَقْوِيَةَ الْيَقِينِ وَتَأْكِيدَهُ وَرُسُوخَهُ وَتَأْيِيدَهُ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ عُزِمَ عَلَيْهِ وَفُرِغَ مِنْهُ فَلَا يَحْتَمِلُ مُرَاجَعَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ ثَبَاتَهُمْ عَلَى
[ ص: 205 ] الشَّقَاوَةِ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ قِبَلِنَا، وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِوَاسِطَةِ الْأَمِينِ
جِبْرَئِيلَ بِمَا يَأْتِي بِهِ [مِنَ] الْوَحْيِ عَنَّا غَضًّا طَرِيًّا مَحْفُوظًا مِنَ الْغَيْرِ فَلَا تَحْرِيفَ فِيهِ وَلَا تَبْدِيلَ، وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ أَنْبِيَائِهِمْ - وَفِي ذَلِكَ نُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ تَجْوِيزِ التَّخْوِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، وَهَذَا مَا لَا \ يَرْضَاهُ ذُو هِمَّةٍ عَلِيَّةٍ وَنَفْسٍ أَبِيَّةٍ - فَالْمَعْنَى: أَنَا قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِأَنَّ الْآيَاتِ لَا تَزِيدُ الْمَقْضِيَّ بِشَقَائِهِ إِلَّا ضَلَالًا وَأَنَا خَبِيرٌ بِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فَلَا تَطْلُبْ إِجَابَتِي إِيَّاهُمْ إِلَى مَا يَقْتَرِحُونَ عَلَيْكَ رَجَاءَ إِيمَانِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فَإِنْ كُنْتَ أَيْ: فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فِي شَكٍّ أَيْ: وَلَوْ قَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94مِمَّا أَنْـزَلْنَا أَيْ: بِعَظَمَتِنَا وَاصِلًا عَلَى لِسَانِ الْوَاسِطَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94إِلَيْكَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فَاسْأَلِ أَيْ: بِسَبَبِ ذَلِكَ الشَّكِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94الَّذِينَ يَقْرَءُونَ أَيْ: مُتَتَابِعِينَ لِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94الْكِتَابَ أَيِ السَّمَاوِيَّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِصِحَّةِ مَا أَنْزَلَنَا إِلَيْكَ عَلَى حَدٍّ عَظِيمٍ. وَمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَوْ كَانَ مُنْصِفًا جَدِيرٌ بِأَنْ يَزْدَادَ مَنْ فَاوَضَهُ فِي ذَلِكَ إِيمَانًا; وَلَمَّا كَانُوا بَعْضُ مَنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ فِي الزَّمَنِ السَّالِفِ، أَثْبَتَ الْجَارَّ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94مِنْ قَبْلِكَ وَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِمَرَاحِلَ، فَلَا تَجْنَحْ إِلَى سُؤَالِ غَيْرِي، وَهَذَا مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى مُؤَكَّدًا آتِيًا بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ
[ ص: 206 ] لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ فِي أَحَقِّ مَوَاضِعِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ أَيِ الثَّابِتُ الْكَامِلُ ثَبَاتُهُ [وَهُوَ إِمْضَاءُ الْعَدْلِ فِيهِمْ]; وَزَادَهُ تَشْرِيفًا وَتَرْغِيبًا فِيهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94مِنْ رَبِّكَ أَيِ الْمُحْسِنِ إِلَيْكَ بِاصْطِفَائِكَ لِذَلِكَ، فَلِذَا سِيقَ مَسَاقَ الْبَيَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْحَقُّ أَيِ الثَّابِتُ أَعْلَى الثَّبَاتِ تَسَبَّبَ عَنْهُ الْبُعْدُ مِنْ تَزَلْزُلِ مَنْ جَاءَهُ، فَنَاسَبَ إِتْبَاعَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فَلا تَكُونَنَّ أَكَّدَهُ لِأَنَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يَنْثَنِيَ عَنْهُ أَحَدٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94مِنَ الْمُمْتَرِينَ [أَيْ] الْغَافِلِينَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ [فَتَطْلُبَ الْفَضْلَ لِأَهْلِ الْعَدْلِ]; قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا وَاللَّهِ! مَا شَكَّ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا سَأَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ.