ولما أخبره تعالى بوقوع القضاء بتمييز الناس في اليوم المشهود إلى القسمين المذكورين على الحكم المشروح مرهبا ومرغبا، كان ذلك كافيا في الثبات على أمر الله والمضي لإنفاذ جميع ما أرسل به وإن شق اعتمادا على النصرة في ذلك اليوم بحضرة تلك الجموع، فكان ذلك سببا للنهي عن القلق في شيء من الأشياء وإن جل وقعه وتعاظم خطبه، فقال تعالى: فلا ولما كان ما تضمنه هذا التقسيم أمرا عظيما وخطبا جسيما، اقتضى عظيم تشوف النفس وشديد شوقها لعلم ما سبب عنه، فاقتضى ذلك حذف النون من "كان" إيجازا في الكلام للإسراع بالإيقاف على المراد [والإبلاغ في نفي الكون على أعلى الوجوه] فقال: تك [أي في حالة من الأحوال] في مرية والمرية: الشك مع ظهور الدلالة للتهمة - قاله الرماني مما يعبد هؤلاء أي: لا تفعل فعل من هو في مرية بأن تضطرب من أجل ما يعبدون مواظبين على عبادتهم مجددين ذلك [في] كل حي فتنجع نفسك في إرادة مبادرتهم إلى امتثال الأوامر في النزوع عن ذلك بالكف عن مكاشفتهم بغائظ الإنذار [ ص: 386 ] والطلب لإجابة مقترحاتهم رجاء الازدجار كما مضى \ في قوله تعالى: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك - الآية. وذلك أن مادة مرى - بأي ترتيب كان - تدور على الاضطراب، وقد يلزمه الطرح والفصل: رمى يرمي رميا، والمرماة: ظلف الشاة لأنه يطرح، والرمي: قطع من السحاب رقاق; والريم: البراح، ما يريم يفعل كذا: ما يزال، والريم: الدرج للاضطراب فيها، والقبر لنبذه في جانب من الأرض وطرح الميت فيه، وريم فلان بالمكان: أقام به مجاوزا لغيره منفصلا عنه كأنه رمى بنفسه فيه، وريمت السحابة - إذا دامت فلم تقلع، لأن من شأنها رمي القطر، ومرى الضرع: مسحه للحلب، والريح تمري السحاب، والمري: المعدة لقذفها ما فيها، والمرية: الشك، أي تزلزل الاعتقاد، والميرة: جلب الطعام; ثم استأنف تعالى خبرا هو بمنزلة العلة لذلك فقال: ما يعبدون أي: يوقعون العبادة على وجه الاستمرار إلا كما يعبد آباؤهم ولما كانت عبادتهم في قليل من الزمن الماضي أدخل الجار فقال: من قبل أي: أنهم لم يفعلوا ذلك لشبهة إذا كشف عنها القناع رجعوا، بل لمحض تقليد الآباء مع استحضارهم لتلبسهم بالعبادة كأنهم حاضرون لديهم يشاهدونهم مع العمى عن النظر في الدلائل والحجج كما كان من قصصنا عليك أخبارهم من الأمم في تقليد الآباء سواء بسواء مع عظيم شكيمتهم وشدة عصبتهم للأجانب [ ص: 387 ] فكيف بالأقارب! فكيف بالآباء! فأقم عليهم الحجة بإبلاغ جميع ما نأمرك به كما فعل من قصصنا عليك أنباءهم من إخوانك من الرسل غير مخطر في البال شيئا مما قد يترتب عليه إلى أن ينفذ ما نريد من أوامرنا كما سبق في العلم فلا تستعجل فإنا ندبر الأمر في سفول شأنهم وعلو شأنك كما نريد.
وإنا بما لنا من العظمة لموفوهم نصيبهم من الخير والشر من الآجال وغيرها وما هو ثابت ثباتا لا يفارق أصلا; ولما كانت التوفية قد تطلق على مجرد الإعطاء وقد يكون ذلك على التقريب، نفى هذا الاحتمال بقوله: غير منقوص والنصيب: القسم المجعول لصاحبه كالحظ; والمنقوص: المقدار المأخوذ جزء منه; والنقص: أخذ جزء من المقدار.