ولما أتم ما قدمه مما هو الأهم - من نزاهة الصديق ، وعلم الملك ببراءته وما يتبعها - على ما كان قلبه من أمر الملك بإحضاره إليه، أتبعه إياه عاطفا له على ما كان في نسقه من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قال ما خطبكن فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=31895_31897_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54وقال الملك صرح به ولم يستغن بضميره كراهية الإلباس لما تخلل بينه وبين جواب امرأة العزيز من كلام
يوسف عليه الصلاة والسلام، ولو كان الكل من كلامها لاستغنى بالضمير ولم يحتج إلى
[ ص: 130 ] إبرازه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54ائتوني به أستخلصه أي أطلب وأوجد خلوصه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54لنفسي أي فلا يكون لي فيه شريك، قطعا لطمع العزيز عنه، ودفعا لتوهم أنه يرده إليه، ولعل هذا [هو] مراد
يوسف عليه الصلاة والسلام بالتلبث في السجن إلى انكشاف الحال، خوفا من أن يرجع إلى العزيز فتعود المرأة إلى حالها الأولى فيزداد البلاء.
ولما كان التقدير: فرجع رسول الملك إليه فأخبره أن الملك سأل النسوة [فقلن] ما مضى، وأمر بإحضاره ليستخلصه لنفسه، فقال
يوسف عليه الصلاة والسلام ما تقدم من تلك الحكم البالغة، وأجاب أمر الملك فأتى إليه بعد أن دعا لأهل السجن فقال: اللهم! عطف عليهم قلوب الأخيار [ولا تعم عليهم الأخبار]، وكتب على باب السجن: هذه منازل البلوى، وقبور الأحياء، وبيوت الأحزان، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء. ثم اغتسل وتنظف ولبس ثيابا جددا وقصد إليه، عطف عليه بالفاء - دليلا على إسراعه في ذلك - قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54فلما كلمه وشاهد الملك فيه ما شاهد من جلال النبوة وجميل الوزارة وخلال السيادة ومخايل السعادة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54قال مؤكدا
[ ص: 131 ] تمكينا لقوله دفعا لمن يظن أنه بعد السجن وما قاربه لا يرفعه هذه الرفعة:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54إنك اليوم وعبر بما هو لشدة الغرابة تمكينا للكلام أيضا فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54لدينا مكين أي شديد المكنة، من المكانة، وهي حالة يتمكن بها صاحبها من مراده
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54أمين من الأمانة، وهي حال يؤمن معها نقض العهد، وذلك أنه قيل: إن الملك كان يتكلم بسبعين لسانا [فكلمه بها، فعرفها كلها، ثم دعا للملك بالعبراني، فلم يعرفه الملك فقال له: ما هذا اللسان؟ قال: لسان ] آبائي، فعظم عنده جدا،
وَلَمَّا أَتَمَّ مَا قَدَّمَهُ مِمَّا هُوَ الْأَهَمُّ - مِنْ نَزَاهَةِ الصَّدِيقِ ، وَعَلِمَ الْمَلِكُ بِبَرَاءَتِهِ وَمَا يُتْبِعُهَا - عَلَى مَا كَانَ قَلْبُهُ مِنْ أَمْرِ الْمَلِكِ بِإِحْضَارِهِ إِلَيْهِ، أَتْبَعُهُ إِيَّاهُ عَاطِفًا لَهُ عَلَى مَا كَانَ فِي نَسَقِهِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=31895_31897_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54وَقَالَ الْمَلِكُ صَرَّحَ بِهِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِضَمِيرِهِ كَرَاهِيَةَ الْإِلْبَاسِ لِمَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَابِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ مِنْ كَلَامِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ كَلَامِهَا لَاسْتَغْنَى بِالضَّمِيرِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى
[ ص: 130 ] إِبْرَازِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ أَيْ أَطْلُبُ وَأُوجِدُ خُلُوصَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54لِنَفْسِي أَيْ فَلَا يَكُونُ لِي فِيهِ شَرِيكٌ، قَطْعًا لِطَمَعِ الْعَزِيزِ عَنْهُ، وَدَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ، وَلَعَلَّ هَذَا [هُوَ] مُرَادُ
يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالتَّلَبُّثِ فِي السِّجْنِ إِلَى انْكِشَافِ الْحَالِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْعَزِيزِ فَتَعُودُ الْمَرْأَةُ إِلَى حَالِهَا الْأُولَى فَيَزْدَادُ الْبَلَاءُ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: فَرَجَعَ رَسُولُ الْمَلِكِ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَلِكَ سَأَلَ النِّسْوَةَ [فَقُلْنَ] مَا مَضَى، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ لِيَسْتَخْلِصَهُ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تِلْكَ الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ، وَأَجَابَ أَمْرَ الْمَلِكِ فَأَتَى إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ دَعَا لِأَهْلِ السِّجْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ! عَطَفَ عَلَيْهِمْ قُلُوبَ الْأَخْيَارِ [وَلَا تَعُمُّ عَلَيْهِمُ الْأَخْبَارُ]، وَكَتَبَ عَلَى بَابِ السِّجْنِ: هَذِهِ مَنَازِلُ الْبَلْوَى، وَقُبُورُ الْأَحْيَاءِ، وَبُيُوتُ الْأَحْزَانِ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ. ثُمَّ اغْتَسَلَ وَتَنَظَّفَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا وَقَصَدَ إِلَيْهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ - دَلِيلًا عَلَى إِسْرَاعِهِ فِي ذَلِكَ - قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54فَلَمَّا كَلَّمَهُ وَشَاهَدَ الْمَلِكُ فِيهِ مَا شَاهَدَ مِنْ جَلَالِ النُّبُوَّةِ وَجَمِيلِ الْوِزَارَةِ وَخِلَالِ السِّيَادَةِ وَمَخَايِلِ السَّعَادَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54قَالَ مُؤَكِّدًا
[ ص: 131 ] تَمْكِينًا لِقَوْلِهِ دَفْعًا لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ بَعْدَ السِّجْنِ وَمَا قَارَبَهُ لَا يَرْفَعُهُ هَذِهِ الرِّفْعَةَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54إِنَّكَ الْيَوْمَ وَعَبَّرَ بِمَا هُوَ لِشِدَّةِ الْغَرَابَةِ تَمْكِينًا لِلْكَلَامِ أَيْضًا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54لَدَيْنَا مَكِينٌ أَيْ شَدِيدُ الْمُكْنَةِ، مِنَ الْمَكَانَةِ، وَهِيَ حَالَةٌ يَتَمَكَّنُ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ مُرَادِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54أَمِينٌ مِنَ الْأَمَانَةِ، وَهِيَ حَالٌ يُؤْمَنُ مَعَهَا نَقْضُ الْعَهْدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الْمَلِكَ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِسَبْعِينَ لِسَانًا [فَكَلَّمَهُ بِهَا، فَعَرَّفَهَا كُلَّهَا، ثُمَّ دَعَا لِلْمَلِكِ بِالْعِبْرَانِيِّ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمَلِكُ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا اللِّسَانُ؟ قَالَ: لِسَانُ ] آبَائِي، فَعَظُمَ عِنْدَهُ جِدًّا،