قوله : إذ تبرأ وهو من التبرؤ الذي هو طلب البراءة وإيقاعها بجد واجتهاد ، وهي إظهار التخلص من وصلة أو اشتباك الذين اتبعوا أي : مع اتباع غيرهم لهم ، وهم الرؤساء من الذين اتبعوا مع نفعهم لهم في الدنيا بالاتباع لهم والذب عنهم .
وقال : قال ذلك إظهارا لإفصاح ما أفهمه مضمون الخطاب الأول لتتسق الآيات بعضها ببعض ، فتظهر الآية ما في ضمن سابقتها ، وتجمع الآية ما في تفصيل لاحقتها وإعلاء للخطاب بما هو المعقول علمه المتقدم إلى ما في الإيمان نبأه ليتم نور [ ص: 309 ] العقل الذي وقع به الاعتبار بنور الإيمان الذي يقع به القبول لما في الآخرة عيانه ، فمن عقل عبرة الكون الظاهر استحق إسماع نبأ الغيب الآتي ; ثم قال : بذا يتبرأ المتبوع في الذكر لأنه الآخر في الكون ، فكأنه في المعنى : إنما تعلق التابع بالمتبوع ليعيذه في الآخرة كما كان عهد منه [أن يعيذه في الدنيا فيتبرأ منه ] لما ذكر تعالى من الحرالي أن القوة لله جميعا ولذلك اتصل ذكر التبرؤ بذكر قبض القوة والقدرة عنهم . انتهى .
قال تعالى ورأوا أي : الكل العذاب أي : الذي لا محيص لهم عنه . وقال : قاله ردا للإضمار على الجميع ، وفيه إشعار بأن ذلك قبل غلبة العذاب عليهم وفي حال الرؤية ، ففيه إنباء بأن بين رؤيتهم العذاب وبين أخذهم به مهل يقع فيه خصومتهم وتبرؤهم وإدراكهم للحق الذي كان متغيبا عنهم في الدنيا بما فتن بعضهم بعضا . انتهى . الحرالي وتقطعت أي : تكلفت وتعمدت القطع وهو بين المتصل ، أشار إليه ، ومعناه أنه قطع بقوة عظيمة ، ويجوز أن تكون صيغة التفعل إشارة إلى تكرر القطع في مهلة بأن يظهر لهم انقطاع الأسباب [ ص: 310 ] شيئا فشيئا زيادة في إيهانهم وإيلامهم وهو أنهم الحرالي بهم أي : كلهم جميع الأسباب أي : كلها ، وهي الوصل التي كانت بينهم في الدنيا ، والسبب ما يتوصل به إلى حصول ، في الأصل الحبل ، ثم قيل لكل مقصد . قال : وفيه إشعار بخلو بواطنهم من التقوى ومن استنادهم إلى الله سبحانه وتعالى في دنياهم ، وأنهم لم يكونوا عقلوا إلا تسبب بعضهم ببعض فتقطعت بهم الأسباب ولم يكن لهم ، لأن ذلك واقع بهم في أنفسهم لا واقع لهم في غيرهم ، فكأنهم كانوا نظام أسباب تقطعت بهم فانتثروا منها ، وأسبابهم وصل ما بينهم في الدنيا التي لم تثبت في الآخرة ، لأنها من الوصل الفانية لا من الوصل الباقية لأن متقاضى ما في الدنيا ما كان منه بحق فهو من الباقيات الصالحات وما كان منه عن هوى فهو من الفاني الفاسد . انتهى . الحرالي