ولما كان هؤلاء على منهاج الرسل لأنهم عبدوا الله أولا كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث فنارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه وتعالى فتأهلوا بذلك للدعاء فكان دعاؤهم كاملا، كما فعل
الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين الآيات حتى قال
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما وألحقني [ ص: 160 ] بالصالحين فقدم الذكر على الدعاء وكما هدى إليه آخر آل عمران في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا الآيات، فقدموا الطاعة عظم شأنهم بقوله على سبيل الاستئناف جامعا على معنى من بشارة بكثرة الناجي في هذه الأمة أو يكون الجمع لعظم صفاتهم:
nindex.php?page=treesubj&link=19037_29680_30180_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202أولئك أي العالو المراتب العظيمو المطالب
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202لهم أي هذا القسم فقط لأن الأول قد أخبر أن الأمر عليه لا له.
ولما كان غالب أفعال العباد على غير السداد وأقل ما فيها أن تكون خالية عن نية حسنة قال مشيرا إلى ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202نصيب وهو اسم للحظ الذي أتت عليه القسمة بين جماعة، كائن
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202مما لو
[ ص: 161 ] قال: طلبوا - مثلا، لم يعم جميع أفعالهم; ولو قال: فعلوا، لظن خروج القول فعدل إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202كسبوا أي طلبوا وأصابوا وتصرفوا واجتهدوا فيه وجمعوا من خلاصة أعمالهم القولية والفعلية ومنها الاعتقادية وهو ما أخلصوا فيه فهو الذي يثابون عليه وهو قليل بالنسبة إلى باقي أعمالهم.
ولما كان أسرع الناس حسابا أعلمهم بفنونه خطأ وصوابا وكان التقدير: فالله عالم بخفي أعمالهم وجليها وتمييز جيدها من رديئها فهو يجازيهم على حسب ذلك عطف عليه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202والله أي المحيط علما وقدرة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202سريع الحساب وهو أحصى الأعمال وبيان ما يجب لكل منها الجزاء واتصاله إلى العامل لما له من سعة العلم وشمول القدرة، قيل لبعضهم: كيف يحاسب الله الخلق في وقت واحد؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد، وفيه ترغيب بأنه لا ينسى عملا، وترهيب بأنه لا يمشي عليه باطل ولا يقدر على مدافعته مطاول.
وَلَمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى مِنْهَاجِ الرُّسُلِ لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا اللَّهَ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السِّيَاقُ فَانْكَسَرَتْ نُفُوسُهُمْ ثُمَّ ذَكَرُوهُ عَلَى تِلْكَ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ فَنَارَتْ قُلُوبُهُمْ بِتَجَلِّي نُورِ جَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتَأَهَّلُوا بِذَلِكَ لِلدُّعَاءِ فَكَانَ دُعَاؤُهُمْ كَامِلًا، كَمَا فَعَلَ
الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيْثُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ الْآيَاتِ حَتَّى قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي [ ص: 160 ] بِالصَّالِحِينَ فَقَدَّمَ الذِّكْرَ عَلَى الدُّعَاءِ وَكَمَا هَدَى إِلَيْهِ آخِرَ آلِ عِمْرَانَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا الْآيَاتِ، فَقَدَّمُوا الطَّاعَةَ عَظَّمَ شَأْنَهُمْ بِقَوْلِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ جَامِعًا عَلَى مَعْنًى مِنْ بِشَارَةٍ بِكَثْرَةِ النَّاجِي فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ يَكُونُ الْجَمْعُ لِعِظَمِ صِفَاتِهِمْ:
nindex.php?page=treesubj&link=19037_29680_30180_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202أُولَئِكَ أَيِ الْعَالُو الْمَرَاتِبِ الْعَظِيمُو الْمَطَالِبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202لَهُمْ أَيْ هَذَا الْقِسْمِ فَقَطْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَيْهِ لَا لَهُ.
وَلَمَّا كَانَ غَالِبُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ وَأَقَلُّ مَا فِيهَا أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ نِيَّةٍ حَسَنَةٍ قَالَ مُشِيرًا إِلَى ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202نَصِيبٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْحَظِّ الَّذِي أَتَتْ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، كَائِنٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202مِمَّا لَوْ
[ ص: 161 ] قَالَ: طَلَبُوا - مَثَلًا، لَمْ يَعُمَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِمْ; وَلَوْ قَالَ: فَعَلُوا، لَظُنَّ خُرُوجُ الْقَوْلِ فَعَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202كَسَبُوا أَيْ طَلَبُوا وَأَصَابُوا وَتَصَرَّفُوا وَاجْتَهَدُوا فِيهِ وَجَمَعُوا مِنْ خُلَاصَةِ أَعْمَالِهِمُ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَمِنْهَا الِاعْتِقَادِيَّةُ وَهُوَ مَا أَخْلَصُوا فِيهِ فَهُوَ الَّذِي يُثَابُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي أَعْمَالِهِمْ.
وَلَمَّا كَانَ أَسْرَعُ النَّاسِ حِسَابًا أَعْلَمَهُمْ بِفُنُونِهِ خَطَأً وَصَوَابًا وَكَانَ التَّقْدِيرُ: فَاللَّهُ عَالِمٌ بِخَفِيِّ أَعْمَالِهِمْ وَجَلِيِّهَا وَتَمْيِيزِ جَيِّدِهَا مِنْ رَدِيئِهَا فَهُوَ يُجَازِيهِمْ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202وَاللَّهُ أَيِ الْمُحِيطُ عِلْمًا وَقُدْرَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=202سَرِيعُ الْحِسَابِ وَهُوَ أَحْصَى الْأَعْمَالَ وَبَيَانُ مَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهَا الْجَزَاءُ وَاتِّصَالُهُ إِلَى الْعَامِلِ لِمَا لَهُ مِنْ سِعَةِ الْعِلْمِ وَشُمُولِ الْقُدْرَةِ، قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: كَيْفَ يُحَاسِبُ اللَّهُ الْخَلْقَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: كَمَا يَرْزُقُهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَفِيهِ تَرْغِيبٌ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى عَمَلًا، وَتَرْهِيبٌ بِأَنَّهُ لَا يَمْشِي عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُدَافَعَتِهِ مُطَاوِلٌ.