ولما كان المراد بالساعة القيام وما والاه، جعل مظروفا لذلك اليوم الذي هو من ذلك الوقت إلى افتراق الفريقين إلى داري الإبعاد والإسعاد، والهوان والغفران، فقال تعالى: يوم ترونها أي الزلزلة أو كل مرضعة، أضمرها قبل الذكر، تهويلا للأمر وترويعا للنفس تذهل أي تنسى وتغفل حائرة مدهوشة، وهو العامل في "يوم" ويجوز أن يكون عامله معنى الكلام، أي تستعظمون جدا ذلك اليوم عند المعاينة وإن كنتم الآن تكذبون، ويكون ما بعده استئنافا ودل بالسور على عموم تأثيره لشدة عظمته فقال: كل مرضعة [ ص: 5 ] أي بالفعل عما أرضعت من ولدها وغيره، وهي من ماتت مع ابنها رضيعا، قال : يقال: مرضع، بلا هاء - إذا أريد به الصفة مثل حائض وحامل، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء - يعني: فيدل حينئذ أنها ملتبسة به البغوي وتضع كل ذات حمل حملها أي تسقطه قبل التمام رعبا وفزعا، وهي من ماتت حاملا - والله أعلم، فإن كل أحد يقوم على ما مات عليه، قال : تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام - انتهى. ويؤيد أن هذه الحسن ما في الصحيحين وغيرهما: الزلزلة تكون بعد البعث في الإيمان وهذا لفظه، مسلم عند تفسير هذه الآية عن والبخاري رضي الله عنه رفعه: أبي سعيد الخدري آدم ! فيقول: لبيك وسعديك! والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذلك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها" الحديث والأحاديث في ذلك كثيرة، ومعارضها [ ص: 6 ] ضعيف، والمناسب أيضا لما في آخر تلك من قوله "يقول الله عز وجل: يا فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا وما تبعه أن هذه الزلزلة بعد القيام من القبور يوم نطوي السماء إذا السماء انفطرت إلى قوله: علمت نفس ما قدمت وأخرت ويمكن أن يكون المراد هذا وما قبله لأن يوم الساعة طويل، فنسبة الكل إليها على حد سواء.
ولما كان الناس كلهم يرون الزلزلة، ولا يرى الإنسان السكر - إلا من غيره قال في الزلزلة ترونها وقال في السكر : وترى الناس سكارى أي لما هم فيه من الدهش والحيرة والبهت لما شاهدوا من حجاب العز وسلطان الجبروت وسرادق الكبرياء، ثم دل على أن ذلك ليس على حقيقته بقوله، نافيا لما يظن إثباته بالجملة الأولى: وما هم بسكارى أي من الخمر.
ولما نفى أن يكونوا سكارى من الخمر، أثبت ما أوجب لهم تلك الحالة فقال: ولكن عذاب الله ذي العز والجبروت شديد فهو الذي وجب أن يظن بهم السكر، لأنه أذهب خوفه حولهم، وطير هوله عقولهم.