ولما ذكر سبحانه اقتبال الشباب، في تغيير حكم الحجاب، أتبعه الحكم عند إدبار الشباب، في إلقاء الظاهر من الثياب، فقال: والقواعد وحقق الأمر بقوله: من النساء جمع قاعد، وهي [ ص: 314 ] التي قعدت عن الولد وعن الحيض كبرا وعن الزوج. ولما كان هذا الأخير قطبها قال: اللاتي لا يرجون نكاحا أي لعدم رغبتهن فيه أو لوصولهن إلى حد لا يرغب فيهن معه فليس عليهن جناح أي شيء من الحرج في أن يضعن ثيابهن أي الظاهرة فوق الثياب الساترة بحضرة الرجال بدليل قراءة رضي الله عنه " من ثيابهن " قال ابن مسعود أبو صالح : تضع الجلباب، وهو ما يغطي ثيابها من فوق كالملحفة، وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار غير متبرجات بزينة أي متعمدات – بوضع ما أبيح لهن وضعه- إظهار وجوههن مع الزينة، أو غير متظاهرات بالزينة، قال في الجمع بين العباب والمحكم: تبرجت المرأة: أظهرت وجهها. وفي القاموس: تبرجت: أظهرت زينتها للرجال - انتهى.
ومادة برج تدور على الظهور كما مضى في الحجر; وقال البيضاوي : وأصل البرج التكلف في إظهار ما يخفى - انتهى. وكأنه أشير بصيغة التفعل إلى أن ما ظهر منها من وجهها أو زينتها عفوا غير مقصود به الفساد لا حرج فيه.
ولما ذكر الجائز، وكان إبداء الوجه داعيا إلى الريبة، أشار إليه [ ص: 315 ] بقوله ذاكرا المستحب، بعثا على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها: وأن يستعففن أي يطلبن العفة بدوام الستر وعدم التخفف بإلقاء الجلباب والخمار خير لهن من الإلقاء المذكور.
ولما كان ما ذكر من حالهن من الخلطة على ذلك الوصف معلوما أنه لا يخلو عن كلام، كان التقدير: فالله في وضع الحرج عنهن رؤوف بهن رحيم، عطف عليه قوله: والله أي الذي له جميع صفات الكمال سميع أي لكلامهن إذا خاطبن الرجال هل يخضعن فيه ويتصنعن في ترخيم الصوت به أو يلقينه على الحالة المعروفة غير المنكرة عليم بما يقصدن به وبكل شيء.