ولما ذكر تعالى نعيمهم بها ذكر تنعمهم فيها فقال: لهم فيها أي الجنة خاصة لا في غيرها ما يشاءون من كل ما تشتهيه أنفسهم خالدين لا يبغون عنه حولا كان أي ذلك كله على ربك أي المحسن إليك بالإحسان إلى أتباعك وعدا
ولما أشار سبحانه إلى إيجاب ذلك على نفسه العظيمة بالتعبير ب "على" والوعد، وكان الإنسان لا سيما مجبولا على عزة النفس، لا يكاد يسمح بأن يسأل فيما لا يحقق حصوله، قال: مسؤولا أي حقيقا بأن يسأل إنجازه، لأن سائله خليق بأن يجاب سؤاله، وتحقق ظنونه وآماله، فالمعنى أنه إذا انضاف إلى تحتيمه الشيء على نفسه [ ص: 357 ] سؤال الموعود به إياه، أنجز لا محالة، وهو من وادي أجيب دعوة الداع إذا دعان وفيه حث عظيم على وترجية كبيرة للإجابة، كما وعد بذلك سبحانه في الدعاء، أجيب دعوة الداع و ادعوني أستجب لكم وإن لم ير الداعي الإنجاز فإن الأمر على ما رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى المنذري : بأسانيد جيدة - وقال: صحيح الإسناد عن والحاكم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي سعيد الخدري . "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يجعل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر؟ قال: الله أكثر"
عن وللحاكم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جابر "يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول: عبدي! إني أمرتك أن تدعوني، ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم! يا رب فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجيب لك؟ أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك؟ فيقول: نعم! يا رب! فيقول: إني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا؟ قال: نعم! يا رب فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، ودعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها؟ فيقول: نعم! يا رب! فيقول: إني عجلتها [ ص: 358 ] لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها؟ فيقول: نعم! يا رب! فيقول إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا، وإما أن يكون ادخر له في الآخرة، فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه" .
في صحيحه ولابن حبان وقال: صحيح الإسناد - عن والحاكم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس "لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد" .
وللترمذي عن والحاكم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة . "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"
وللبخاري [ ص: 359 ] ومسلم وأبي داود والترمذي عن وابن ماجة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة وفي رواية "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي" لمسلم : والترمذي قال "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" المنذري : يستحسر أي يمل ويعيا فيترك الدعاء - انتهى.
وقد فهم من الآية ومن الحديث في استثناء الإثم وقطيعة الرحم أن ما لا مانع من سؤاله موعود بإجابته ونواله، فليدع الإنسان به موقنا بالإجابة.