ولما ذكر لهم حالهم في الساعة معه سبحانه، أتبعه ذكر حالهم مع معبوداتهم من دونه، فقال بالالتفات إلى مظهر العظمة على قراءة الجماعة: ويوم أي قل لهم ما أمرتك به، واذكر لهم يوم يحشرهم أي المشركين، بما لنا من العظمة التي نبرزها في ذلك اليوم، من القبور; وقرأ أبو جعفر وابن كثير ويعقوب وحفص عن بالياء التحتية [ ص: 360 ] فيكون الضمير للرب عاصم وما يعبدون أي من الملائكة والإنس والجن وغيرهم ممن يعقل وممن لا يعقل; ونبه على سفول رتبتهم عن ذلك وعدم أهليتهم بقوله: من دون الله أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له، وذكرها بلفظ "ما" إشارة إلى أن ناطقها وصامتها جماد بل عدم بالنسبة إليه سبحانه بما أشار إليه التعبير بالاسم الأعظم الدال على جميع الكمال، مع أن "ما" موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم وإن كان أكثر استعماله في غير العقلاء، وعبر سبحانه بقوله: فيقول بإعادة ضمير الغيبة بعد التعبير بنون العظمة في "نحشر" في قراءة غير لتقدم الجلالة الشريفة، تحقيقا للمراد وتصريحا به، وإعلاما بأن المراد بالنون العظمة لا جمع، وقرأ ابن عامر بالنون موحدا الأسلوب: " أنتم " أي أيها المعبودات! بإيلاء الهمزة الضمير سؤالا عن المضل، لأن ضلال العبدة معروف لا يسأل عنه ابن عامر أضللتم بالقهر والخداع والمكر عبادي هؤلاء حتى عبدوكم كما في الآية الأخرى
ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون في أمثالها من الآيات كما في الحديث القدسي: "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين" أم
ولما كان السؤال - كما مضى - عن الفاعل لا عن الفعل، كان لا بد من قوله: هم أي باختيار منهم لإهمالهم استعمال ما أعطيتهم [ ص: 361 ] من قويم العقل وسديد النظر ضلوا وأوصل الفعل بدون "عن" كما في هداة الطريق بدون "إلى" لكثرة الدور، وللإشارة إلى قوة الفعل فقال: السبيل أي الذي نهجته ونصبت عليه الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة .