ولما كان التقدير: فمن أذاقه من رحمته، ومن كفر أنزل عليه من نقمته، وكان السياق كله لنصر أوليائه وقهر أعدائه، وكانت الرياح مبشرات ومنذرات كالرسل، وكانت موصوفة بالخير كما في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها
nindex.php?page=hadith&LINKID=650005 "فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة" وكانت في كثرة منافعها وعمومها إن كانت نافعة، ومضارها إن كانت ضارة، أشبه شيء بالرسل في إنعاش قوم وإهلاك آخرين، وما ينشأ عنها كما
[ ص: 116 ] ينشأ عنهم.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى رضي الله عنه:
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في العلم،
nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في المناقب
nindex.php?page=hadith&LINKID=650077 "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكانت طائفة منها طيبة فقبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" ولما كان الأمر كذلك، عطف على قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5ينصر من يشاء وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=10ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أو على ما تقديره تسبيبا عن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=43فأقم وجهك للدين القيم فلقد أرسلناك بشيرا لمن أطاع بالخير، ونذيرا لمن عصى بالشر، قوله مسليا لهذا النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأتباعه، ولفت الكلام إلى مقام العظمة لاقتضاء سياق الانتقام لها، وأكد إشارة إلى أن الحال باشتداده
[ ص: 117 ] وصل إلى حالة اليأس، أو لإنكار كثير من الناس إرسال البشر:
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30539_30614_32016_34274_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47ولقد أرسلنا بما لنا من العزة.
ولما كانت العناية بالإخبار بأن عادته ما زالت قديما وحديثا على نصر أوليائه، قال معلما بإثبات الجار أن الإرسال بالفعل لم يستغرق زمان القبل، أو أن الكلام في خصوص الأمم المهلكة:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47من قبلك مقدما له على
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47رسلا أوللتنبيه على أنه خاتم النبيين بتخصيص إرسال غيره بما قبل زمانه، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47إلى قومهم إعلاما بأن بأس الله إذا جاء لا ينفع فيه قريب ولا بعيد، وزاد في التسلية بالتذكير إشارة إلى شدة أذى القوم لأنبيائهم حيث لم يقل "إلى قومها" .
ولما كان إرسال الله سببا لا محالة للبيان الذي لا لبس معه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47فجاءوهم بالبينات فانقسم قومهم إلى مسلمين ومجرمين
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47فانتقمنا أي فكانت معاداة المسلمين للمجرمين فينا سببا لأنا انتقمنا بما لنا من العظمة
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47من الذين أجرموا لإجرامهم، وهو قطع ما أمرناهم بوصله اللازم منه وصل ما أمروا بقطعه، فوصلوا الكفر وقطعوا الإيمان، فخذلناهم وكان حقا علينا قهر المجرمين، إكراما لمن عادوهم فينا، وأنعمنا على الذين آمنوا فنصرناهم.
ولما كان محط الفائدة إلزامه سبحانه لنفسه بما تفضل به، قدمه
[ ص: 118 ] تعجيلا للسرور وتطييبا للنفوس فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وكان أي على سبيل الثبات والدوام
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47حقا علينا أي بما أوجبناه لوعدنا الذي لا خلف فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47نصر المؤمنين أي العريقين في ذلك الوصف في الدنيا والآخرة، فلم يزل هذا دأبنا في كل ملة على مدى الدهر، فإن هذا من الحكمة التي لا ينبغي إهمالها، فليعتد هؤلاء لمثل هذا، وليأخذوا لذلك أهبته لينظروا من المغلوب وهل ينفعهم شيء؟ والآية من الاحتباك: حذف أولا الإهلاك الذي هو أثر الخذلان لدلالة النصر عليه، وثانيا الإنعام لدلالة الانتقام عليه.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: فَمَنْ أَذَاقَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَمَنْ كَفَرَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَكَانَ السِّيَاقُ كُلُّهُ لِنَصْرِ أَوْلِيَائِهِ وَقَهْرِ أَعْدَائِهِ، وَكَانَتِ الرِّيَاحُ مُبَشِّرَاتٍ وَمُنْذِرَاتٍ كَالرُّسُلِ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْخَيْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=650005 "فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" وَكَانَتْ فِي كَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَعُمُومِهَا إِنْ كَانَتْ نَافِعَةً، وَمَضَارِّهَا إِنْ كَانَتْ ضَارَّةً، أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالرُّسُلِ فِي إِنْعَاشِ قَوْمٍ وَإِهْلَاكِ آخَرِينَ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْهَا كَمَا
[ ص: 116 ] يَنْشَأُ عَنْهُمْ.
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ،
nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ فِي الْمَنَاقِبِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=650077 "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا طَيِّبَةً فَقَبِلَتِ الْمَاءَ وَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلَتْ بِهِ" وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=10ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَوْ عَلَى مَا تَقْدِيرُهُ تَسْبِيبًا عَنْ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=43فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ فَلَقَدْ أَرْسَلْنَاكَ بَشِيرًا لِمَنْ أَطَاعَ بِالْخَيْرِ، وَنَذِيرًا لِمَنْ عَصَى بِالشَّرِّ، قَوْلُهُ مُسَلِّيًا لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَأَتْبَاعِهِ، وَلَفَتَ الْكَلَامَ إِلَى مَقَامِ الْعَظَمَةِ لِاقْتِضَاءِ سِيَاقِ الِانْتِقَامِ لَهَا، وَأَكَّدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْحَالَ بِاشْتِدَادِهِ
[ ص: 117 ] وَصَلَ إِلَى حَالَةِ الْيَأْسِ، أَوْ لِإِنْكَارِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِرْسَالَ الْبَشَرِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29677_30539_30614_32016_34274_29001nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا بِمَا لَنَا مِنَ الْعِزَّةِ.
وَلَمَّا كَانَتِ الْعِنَايَةُ بِالْإِخْبَارِ بِأَنَّ عَادَتَهُ مَا زَالَتْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى نَصْرِ أَوْلِيَائِهِ، قَالَ مُعَلِّمًا بِإِثْبَاتِ الْجَارِّ أَنَّ الْإِرْسَالَ بِالْفِعْلِ لَمْ يَسْتَغْرِقْ زَمَانَ الْقَبْلِ، أَوْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي خُصُوصِ الْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47مِنْ قَبْلِكَ مُقَدَّمًا لَهُ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47رُسُلا أَوَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ بِتَخْصِيصِ إِرْسَالِ غَيْرِهِ بِمَا قَبْلَ زَمَانِهِ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47إِلَى قَوْمِهِمْ إِعْلَامًا بِأَنَّ بَأْسَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يَنْفَعُ فِيهِ قَرِيبٌ وَلَا بَعِيدٌ، وَزَادَ فِي التَّسْلِيَةِ بِالتَّذْكِيرِ إِشَارَةً إِلَى شِدَّةِ أَذَى الْقَوْمِ لِأَنْبِيَائِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ "إِلَى قَوْمِهَا" .
وَلَمَّا كَانَ إِرْسَالُ اللَّهِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ لِلْبَيَانِ الَّذِي لَا لَبْسَ مَعَهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْقَسَمَ قَوْمُهُمْ إِلَى مُسْلِمِينَ وَمُجْرِمِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47فَانْتَقَمْنَا أَيْ فَكَانَتْ مُعَادَاةُ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُجْرِمِينَ فِينَا سَبَبًا لِأَنَّا انْتَقَمْنَا بِمَا لَنَا مِنَ الْعَظَمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا لِإِجْرَامِهِمْ، وَهُوَ قَطْعُ مَا أَمَرْنَاهُمْ بِوَصْلِهِ اللَّازِمِ مِنْهُ وَصْلُ مَا أُمِرُوا بِقَطْعِهِ، فَوَصَلُوا الْكُفْرَ وَقَطَعُوا الْإِيمَانَ، فَخَذَلْنَاهُمْ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا قَهْرُ الْمُجْرِمِينَ، إِكْرَامًا لِمَنْ عَادَوْهُمْ فِينَا، وَأَنْعَمْنَا عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا فَنَصَرْنَاهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ إِلْزَامَهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ، قَدَّمَهُ
[ ص: 118 ] تَعْجِيلًا لِلسُّرُورِ وَتَطْيِيبًا لِلنُّفُوسِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وَكَانَ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47حَقًّا عَلَيْنَا أَيْ بِمَا أَوْجَبْنَاهُ لِوَعْدِنَا الَّذِي لَا خُلْفَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ أَيِ الْعَرِيقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَمْ يَزَلْ هَذَا دَأْبَنَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى مَدَى الدَّهْرِ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي إِهْمَالُهَا، فَلْيَعْتَدَّ هَؤُلَاءِ لِمِثْلِ هَذَا، وَلِيَأْخُذُوا لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ لِيَنْظُرُوا مَنِ الْمَغْلُوبُ وَهَلْ يَنْفَعُهُمْ شَيْءٌ؟ وَالْآيَةُ مِنَ الِاحْتِبَاكِ: حُذِفَ أَوَّلًا الْإِهْلَاكُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْخِذْلَانِ لِدَلَالَةِ النَّصْرِ عَلَيْهِ، وَثَانِيًا الْإِنْعَامُ لِدَلَالَةِ الِانْتِقَامِ عَلَيْهِ.