ولما اتضح كذبهم؛ وافتضح تدليسهم - لأنه لما استدل عليهم بكتابهم؛ فلم يأتوا به؛ صار ظاهرا كالشمس؛ لا شك فيه؛ ولا لبس؛ ولم يزدهم ذلك إلا تماديا في الكذب - أمر - سبحانه وتعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: قل ؛ أي: لأهل الكتاب؛ الذين أنكروا النسخ؛ فأقمت عليهم الحجة من كتابهم؛ صدق الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ الذي له الكمال كله في جميع ما أخبر؛ وتخبر به عن ملة إبراهيم؛ وغيره من بنيه؛ أسلافكم؛ وتبين أنه ليس على دينكم؛ هو ولا أحد ممن قبل موسى - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنكم لو كنتم صادقين لأتيتم بالتوراة؛ نافيا بذلك أن يكون تأخرهم عن الإتيان بها لعلة يعتلون بها غير ذلك؛ وإذ قد تبين صدقه (تعالى) في جميع ما قال؛ وجب اتباعه في كل ما يأمر به؛ وأعظمه ملة إبراهيم؛ فإنها الجامعة للمحاسن.
ولما ثبت ذلك بهذا الدليل المحكم؛ لزم قطعا أنه ما كان يهوديا؛ [ ص: 5 ] ولا نصرانيا؛ ولا مشركا؛ وقد أقروا بأن ملته هي الحق؛ وأنهم أتباعه؛ فتسبب عن ذلك وجوب اتباعه فيما أخبر الله - سبحانه وتعالى - به؛ فبان كالشمس صدقه؛ لا فيما افتروه هم من الكذب؛ فقال - سبحانه وتعالى -: فاتبعوا ملة إبراهيم ؛ وهي الإسلام ؛ أي: الانقياد للدليل؛ وهو معنى قوله: حنيفا ؛ أي: تابعا للحجة إذا تحررت؛ غير متقيد بمألوف؛ ولما كان - صلى الله عليه وسلم - مفطورا على الإسلام؛ فلم يكن في جبلته شيء من العوج؛ فلم يكن له دين غير الإسلام؛ نفى الكون؛ فقال: وما كان من المشركين ؛ أي: بعزير؛ ولا غيره من الأكابر؛ كالأحبار الذين تقلدونهم؛ مع علمكم بأنهم يدعون إلى ضد ما دعا إليه - سبحانه وتعالى.