ولما تم إيذانه بالسخط على أعدائه؛ وأبلغ في إنذارهم عظيم انتقامه؛ إن داموا على إضلالهم؛ أقبل بالبشر على أحبائه؛ مواجها لهم بلذيذ خطابه؛ وصفي غنائه؛ محذرا لهم الاغترار بالمضلين؛ ومنبها؛ ومرشدا؛ ومذكرا؛ ودالا على ما ختم به ما قبلها؛ من إحاطة علمه بدقيق مكر اليهود؛ فقال - سبحانه وتعالى -: يا أيها الذين آمنوا ؛ أي: بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ إن تطيعوا فريقا ؛ أتى بهذا اللفظ لما كان المحذر منه الافتراق؛ والمقاطعة؛ الذي يأتي عيب أهل الكتاب به؛ من الذين أوتوا الكتاب ؛ أي: القاطعين بين الأحباب؛ مثل شأس بن قيس؛ الذي مكر بكم إلى أن أوقع الحرب بينكم؛ فلولا النبي الذي رحمكم به ربكم؛ لعدتم إلى شر ما كنتم فيه؛ يردوكم ؛ وزاد في تقبيح هذا الحال بقوله - مشيرا بإسقاط الجار إلى الاستغراق زمان البعد -: بعد إيمانكم كافرين [ ص: 14 ] ؛ أي: غريقين في صفة الكفر؛ فيا لها من صفقة؛ ما أخسرها! وطريقة؛ ما أجورها!